“اجتياح رفح”.. مشاهد أليمة تُعيد لذاكرة أهالي شمالي غزة مآسي ما عايشوه أثناء الحرب

شريطٌ من الذكريات الموجعة، التي لم يتوقع أهالي شمالي قطاع غزة أن تُعاد فصولها في مكان آخر من القطاع، ظنًا منهم أن ما حدث معهم قبل شهرين حدثٌ استثنائي لا يمكن أن يتذوق مراره غيرهم.

لم تكن مشاهد النزوح والقصف والدمار في مدينة رفح جنوبي القطاع بالحدث العابر لدى المواطنين في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، بل كانت إحياءً لأوجاع ركنوها في قاع ذاكرتهم، إلا أن الاحتلال أبى نبشها وإعادتها إلى الصدارة.

ومنذ استئناف جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة في 18 آذار/مارس الماضي، تتعرض مدينة رفح لاجتياح إسرائيلي، وموجة نزوح قسري جديدة، تحت وطأة القصف والتهديد، ويُجبر آلاف المدنيين على مغادرة منازلهم، وسط ظروف إنسانية قاسية.

ذكريات مؤلمة

“ما خطر ببالي أن ما عشناه في العدوان الإسرائيلي الأخير على مخيم جباليا قد يتكرر في مدينة أخرى داخل القطاع وبنفس العنجهية والجبروت والألم”. يقول المواطن أحمد البنا.

ويضيف، “مع مشاهد النزوح برفح والقصف والمجازر بتذكر أيام عشناها كنت أجبر نفسي على عدم تذكرها، ما كنت متخيل أن نعيشها مجددًا ونرى أحبتنا يتساقطون وبذات الخذلان الذي عايشناه”.

ويستذكر البنا تلك الليالي الدامية، قائلًا: “كان الموت ينهال علينا ويخطف أرواح صغارنا، القذائف كانت كالمطر والرصاص من كل حدب وصوب، أيام كأنها القيامة”.

ويتابع “كل ما حدث معنا، والآن يحدث في رفح لم يُحرك العرب قيد شعرة، ماذا ينتظرون ليتحركوا، لهذه الدرجة وصل خذلانهم لنا؟”.

ويردف “لا يمكن أن يشعر أحد بك إلا من عاش مثل تجربتك، فالليالي في رفح ثقيلة لا تمر أبدًا، وسط إطلاق القذائف والرصاص صوب المواطنين المحاصرين والعاجزين عن الخروج منها، عدا عن عدم توفر الماء والغذاء”.

وما يزيد الوضع خطورة في رفح عدم توفر مقومات الحياة الأساسية، من طعام وماء، فضلًا عن الحصار المطبق على المدينة وعزلها بشكل تام عن ما حولها. وفق البنا

وفي الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2024، شنت قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة على شمالي القطاع، استمرت لأكثر من 100 بوم، وخلفت آلاف الشهداء والجرحى، ودمار هائل في البنية التحتية والمنازل والمستشفيات.

نجاة من الموت

وأما أبو أحمد النجار فيقول، وقد كسى الحزن صوته: “لا يوجد أقسى من النزوح والتنقل فرارًا من الموت، تحاول بكل قوتك التي انهارت، أن تنجو بعائلتك، لكنك تتفاجئ أنك لا تملك القوة اللازمة لذلك فتخسر أحدهم في طريق الموت”.

ويضيف “من الصعب علينا مشاهدة المقتلة التي تتعرض لها رفح، فنحن عشنا تفاصيل هذه اللحظات ونعلم جيدًا ما يحدث هناك”.

و”ما يحدث الآن في رفح، أعاد ذاكرتنا لأحداثٍ اعتقدنا أنها لن تعود، بل حاولنا جاهدين تناسي ذلك الوجع، مع الخروج من تحت الركام والعودة للحياة”. يقول النجار

ويستذكر النجار مشهد نجاته وعائلته من مخيم جباليا فترة الاجتياح الأخير، قائلًا: “كنت حينها أركض حاملًا طفلاي أجري بهم نحو المجهول، والصواريخ والرصاص والقذائف تنهال فوق رؤوسنا تخطف من الأرواح ما تشاء دون رأفة أو رحمة”.

ويشير إلى أن الخيارات تنعدم أمام “المقتلة” التي يعيشها أهل رفح، لأن النزوح والتشرد والقصف ونقص مقومات الحياة معركة يعيشها الناجون من المذبحة.

ويدعو النجار إلى التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى في القطاع، متسائلًا “هل هناك أكبر مما يحدث كي يتحرك العالم ويوقف إسرائيل عن جرائم إبادة غزة؟”.

وحسب وزارة الصحة في غزة، استشهد منذ 18 مارس الماضي، 1249 مواطنًا وأصيب 3022 آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال.

المصدر: وكالات
55
اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *