في رحاب العشر الأواخر

مقال: ياسر سعد الدين

ها هو رمضان والذي كأنه للتو بدأ يكاد يغادرنا، وها هي ليالي العشر قد شرفتنا ببركاتها وفضلها وعظم قدرها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر.

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستقبل تلك العشر بما ورد عنه ومنه، فما ينبغي أن يكون عليه حالنا.

إن المؤمن الحق هو من تتغير أولوياته في مثل هذه الليالي الكريمة ويتجدد عهده مع الله، مقبلًا عليه منكسرًا خاشعًا خاضعًا لعل الله يتقبل منه الأعمال ويكفر عنه السيئات ويجعله من عتقائه من النار. “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون”..

لننشغل بجوهر العبادة وحقائقها ولا ننشغل بما يشغلنا عنها، لا تهتموا بظواهر يجتهد فيها البشر ترصد ما يظنه الناس علامات وإشارات حول ليلة القدر، كشكل الشمس في صباح ليلة القدر أو حتى بتوقيت تلك الليلة العظيمة

إن الأمر بالجد لا بالهزل، وإنه والله لخلود في الجنة أو في النار، فمن من يقوى على النار وحرها ولهيبها؟ هل يعقل أن نتكاسل عن دقائق في الصلوات، إذا كنا نؤمن حقًا وصدقًا بأننا مبعوثون ليوم عظيم، وأننا يوم الحشر سنقف عراة حفاة في شدة وكرب وفزع والعرق يتصبب منا صبًا، وأننا على موعد مع يوم الفزع الأكبر، يوم يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه.

إن حياة الإنسان اختبار عظيم وإن العواقب والمآلات عظيمة وخطيرة، فإما جنات تجري من تحتها الأنهار، وإما نار تلظى وخزي ومهانة وندامة.

إنه موسم عظيم، وإن المؤمن الحق يعظم ما يعظم الله، سبحانه، فلنغيّر أولوياتنا ولنبتعد عن الملهيات والبرامج الهابطة من قنوات الإفساد ولنتمرد على شياطين الإنس والجن ولنبتعد عن المقاهي والأسواق والمجالس الاجتماعية واللغو واللهو حتى المباح منه والمقبول.

فلننشغل بجوهر العبادة وحقائقها ولا ننشغل بما يشغلنا عنها، لا تهتموا بظواهر يجتهد فيها البشر ترصد ما يظنه الناس علامات وإشارات حول ليلة القدر، كشكل الشمس في صباح ليلة القدر أو حتى بتوقيت تلك الليلة العظيمة.

التمسوها في العشر الآواخر، لا أقل من ذلك ولا أكثر. فهل نتكاسل عن ليلة من بين عشر ليالٍ كريمات، تكون فيها سعادة الدارين ومن أجل ماذا ولماذا؟ يحسب البعض حسابيًا أن ليلة القدر خير من 84 سنة (ألف شهر)، حسابات لا معنى لها تشتت التركيز والأوقات!! التمسوها وحسب واستغرقوا فيها وفي كل ليالي العشر بالخضوع والانكسار والتذلل بين يد العفو الغفار، فالذلة بين يديه فيها عزة الدارين والنجاة والسعادة والفوز العظيم.

اللهم، فرج عن المسلمين في غزة وفلسطين وسوريا والسودان ومصر والهند وفي كل مكان، اللهم من أراد بالمسلمين خيرًا فوفقه لكل خير ومن أراد بهم سوءًا فاجعل دائرة السوء عليه

الاعتكاف سنة عظيمة، ولكنه يفقد الكثير من بركاته إذا ينشغل البعض بالهواتف ويتحول إلى مناسبات اجتماعية وأحاديث ومسامرات.

حذار من أن يصل الترف والغفلة فينا ومنا إلى العبادات والتي هي آخر ما تبقى لنا من ديننا في عصر المحن والفتن والإبادة الجماعية، فيصبح الحج رحلة سياحية، والصوم مناسبات وولائم اجتماعية، والاعتكاف سهر وسمر.

إننا وعلى المستوى الفردي ومستوى الأمة أشد ما نكون حاجة إلى موسم عظيم كليالي العشر الأواخر، ونحن نشاهد أهلنا وإخوتنا في غزة يبادون بلا رحمة ويغدر بهم القتلة والمجرمون، فيما يتواطأ على ذبحهم وإبادتهم من يتنسبون زيفًا وزورًا إلى العروبة والإسلام.

إن الله سائلنا يوم القيامة عن غزة وأطفالها ونسائها وإننا والله لمقصرون أشد التقصير، فلنجبر قصورنا بدعاء المتضرع المضطر إلى الله الرؤوف واللطيف بعباده والذي لا يردّ بأسه عن القوم المجرمين.

اللهم، فرج عن المسلمين في غزة وفلسطين وسوريا والسودان ومصر والهند وفي كل مكان، اللهم من أراد بالمسلمين خيرًا فوفقه لكل خير ومن أراد بهم سوءًا فاجعل دائرة السوء عليه.

اللهم، ولِّ أمورنا خيارنا، اللهم افضح كل متواطئ ومتخاذل ومنافق وعميل، وأذقه من عذاب الدنيا ما لا يطيق من المعاناة والألم والشقاء.

146
اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *