ممرات عسكرية جديدة، وغارات الجوية، وعمليات إجلاء، وحصار على المساعدات الإنسانية، ما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني في غزة. فهل تهدف إسرائيل إلى تمهيد الطريق لحلم ترامب بـ “ريفييرا غزة”؟
تواصل إسرائيل تصعيد الضغط على غزة، فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، بأن القوات الإسرائيلية تُنشئ ممرا أمنيا جديدا بين مدينتي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة. موضحا “نحن نُقسّم القطاع، ونزيد الضغط تدريجيا، حتى يُسلّمونا أسرانا”.
رفضت حماس يوم الخميس، اقتراحا إسرائيليا بوقف إطلاق نار جديد، وأكدت مجددا أنها لن تُفرج عن الأسرى الـ 59 المتبقين إلا مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين، ووقف إطلاق نار دائم، وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة.
في غضون ذلك، أدت أوامر التهجير الإسرائيلية الجديدة إلى نزوح حوالي 142 ألف فلسطيني، بمن فيهم سكان رفح، بين 18 و23 مارس/آذار، وفقا لما ذكرته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أحدث تقرير لها.
ووفقًا لأولغا تشيريفكو، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أكثر من 60% من مساحة قطاع غزة تُعتبر الآن مناطق “محظورة” بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
وأفادت وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة هذا الأسبوع بأن الضربات العسكرية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1042 فلسطينيا منذ 24 مارس/آذار.
الجوع في غزة
بعد شهر من الحصار الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية، أعلنت وكالة الأغذية التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع أنها اضطرت إلى إغلاق جميع مخابزها بسبب نقص الإمدادات.
صرح محمد الكرد، وهو أب لـ 12 طفلا، لوكالة أسوشيتد برس أن أطفاله ينامون الآن دون عشاء. وقال: “نحثهم أن يصبروا ونخبرهم أننا سنحضر الدقيق في الصباح، نكذب عليهم وعلى أنفسنا”.
في المقابل، ردّت الهيئة الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون الفلسطينية، مكتب تنسيق أعمال الحكومة في تلك المناطق، أن أكثر من 25 ألف شاحنة محملة بـ 450 ألف طن من المساعدات دخلت إلى غزة خلال وقف إطلاق النار بين يناير ومارس. وأفاد البيان أن هذه الكمية “تُمثل حوالي ثلث ما دخل قطاع غزة خلال 15 شهرا من الحرب”.
وفق بيانات وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة، قتل حوالي 50 ألف فلسطيني على الأقل منذ أن بدأت إسرائيل حربها على الحركة. وفي هذه الإحصائيات لا تتم التفرقة بين القتلى المدنيين والمقاتلين. كما أن إسرائيل تشكك في هذه الأرقام التي لا يمكن التحقق منها، إلا أن المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، تعتبرها موثوقة إلى حدٍّ كبير.
“العنف يُفاقم الحزن”
في غضون ذلك، حذّرت وكالات الإغاثة الدولية هذا الأسبوع من أن الوضع الإنساني لحوالي 2.3 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي يزداد سوءا. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها إن “استئناف الأعمال العدائية والعنف يُفاقم فقدان الأمل لدى جميع الأطراف”.
وقال إيهاب سليمان، الأستاذ الجامعي السابق في غزة، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس هذا الأسبوع: “لم يعد للحياة طعم”. وأضاف بعد فراره للمرة الثامنة: “أصبحت الحياة والموت شيئا واحدا بالنسبة لنا”.
وصرح نيكولاس أور، وهو خبير سابق في إزالة الألغام بالجيش البريطاني، لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع أن الذخائر غير المنفجرة تقتل حوالي شخصين يوميا، معظمهم أطفال يبحثون بين أنقاض المباني المدمرة، فيلتقطونها وتنفجر”.
في شمال غزة، حيث احتدمت المعارك البرية لأشهر، كانت “قذائف الهاون والقنابل اليدوية والرصاص” أكثر شيوعا، بينما في رفح، حيث كانت الغارات الجوية أشد من المعارك البرية، “كانت قذائف المدفعية أكثر”، حسب أور.
فقد أحمد عزام، البالغ من العمر 15 عاما، ساقه بسبب إحدى هذه القذائف. وقال عزام لوكالة فرانس برس: “كنا نتفقد بقايا منزلنا، لم أكن أعلم أنها هناك وانفجرت فجأة، مسببة جروحا بالغة في ساقاي، مما أدى إلى بتر إحداهما”.
وبسبب الحصار الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية، ونقص الإمدادات الطبية في مستشفيات غزة، فإن الأطراف الاصطناعية غير متوفرة.
“إفراغ غزة من سكانها”
صرح ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، لـ DW بأنه “لا يوجد تصريح واضح من الجانب الإسرائيلي، يفيد بقطع المساعدات الإنسانية لإجبار الناس على الفرار، ولكنه افتراض منطقي”.
وأضاف: “لكن بالطبع، إذا قُصف القطاع، وأُجبر سكانه على الانتقال من مكان إلى آخر، ثم قطعت المساعدات الإنسانية، فإن ذلك يجعل ما تسميه إسرائيل مغادرة طوعية، غير طوعي أبدا”.
ولأول مرة، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم الأحد صراحة على منصة التواصل الاجتماعي X قائلا: “سنحرص على الأمن العام في قطاع غزة، وسنسمح بتحقيق خطة ترامب للهجرة الطوعية”.
في فبراير، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة “ستمتلك” غزة، وستحوّلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، داعيا الدول العربية المجاورة، وعلى رأسها مصر والأردن، إلى استقبالالسكان الفلسطينيين. رُفض هذا المقترح من دول كثيرة، وحذرت الأمم المتحدة من أنه سيُعتبر تطهيرا عرقيا.
قال أمجد عراقي، متحدث من مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة عالمية لمنع النزاعات، لـ DW: “ما نفهمه بوضوح تام من القيادة السياسية الإسرائيلية، وحتى من الخطط العسكرية، هو أنهم يريدون بالفعل تمهيد الطريق والبدء في التحرك نحو تفريغ غزة من سكانها”. وأضاف عراقي: “الآن، سواء في الهجوم أو الاستراتيجية، هناك الأسلوب واحد”، مضيفا: “إنه في جوهره عقاب جماعي للسكان الفلسطينيين في غزة، كما نراه أيضا في الضفة الغربية”.
ساهم كونستانتين إيغرت في التقرير الكاتب: جنيفر هولايس