مقال: جيرار ديب
حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حركة حماس من أن “قواعد اللعبة تغيّرت”، وذلك عقب شنّ إسرائيل غارات على قطاع غزة، الثلاثاء 18 مارس/ آذار الجاري، غير مسبوقة في حدتها منذ سريان الهدنة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ونقل بيان لوزارة الدفاع عن كاتس قوله أثناء زيارته قاعدة تل نوف الجوية: “إذا لم تطلق حماس الرهائن فورًا، ستفتح أبواب الجحيم، وستواجه القوة الكاملة للجيش.. في الجوّ والبحر والميدان، حتى يتمّ القضاء عليها بالكامل”.
“ستفتح أبواب الجحيم”، أليست هذه العبارة مستنسخة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما وجّه سلسلة من التهديدات إلى حركة حماس في حديثه في وقت سابق حول إطلاق جميع الرهائن فورًا؟
فهذا إن دلّ على شيء فعلى أن التنسيق الأميركي الإسرائيلي “قائم” في أدق التفاصيل، ما ينقض بيان الحكومة الإسرائيلية التي اعتبرت فيه أنها أبلغت الإدارة الأميركية بالغارات على القطاع قبل تنفيذها بقليل.
أعلن جيش العدو استئناف حربه الثانية على قطاع غزة، بعدما ألقت الحكومة الإسرائيلية اللوم على حركة حماس بإفشال المفاوضات بشأن إطلاق الرهائن.
هذا، وكانت إسرائيل قد ماطلت بشكل متعمد بهدف عرقلة الجهود الرامية للبدء بالجولة الثانية من المفاوضات التي تتضمن الانسحاب من القطاع، مقابل توصل الحركة لإطلاق كافة المحتجزين.
واضح أن نتنياهو لم يكن جديًا في تنفيذ ما اتفق عليه في اتفاق القاهرة الذي دخل حيّز التنفيذ في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي وكرّس وقفًا لإطلاق النار.
فهو من يستخدم الحرب في غزة بمثابة “قارب نجاة له” من أزمات سياسية داخلية، حتى إن كان هذا الأمر يعني “التضحية” بالرهائن الذين ما زالوا محتجزين على قيد الحياة في غزة.
أزمات داخلية بدأت تحيط بنتنياهو بدءًا من قرار النيابة العامة الاستئنافية التي وافقت على طلب نتنياهو تأجيل محاكمته على خلفية استئناف الحرب في غزة.
ويمثل الرجل للمحاكمة في إسرائيل لاتهامه بالتزوير وانتهاك الثقة وقبول رشاوَى في 3 قضايا منفصلة، رغم زعمه أن القضايا ما هي إلا “مطاردة سياسية” له، إلا أنّ النيابة الإسرائيلية تؤكد أن التهم المنسوبة إليه مدعّمة بأدلة تدينه.
يتّبع نتنياهو سياسة الهروب “إلى الأمام” فيما يخصّ حربه على غزة وذلك بهدف إبعاد شبح إسقاط الحكومة في حال انسحبت أحزاب ممثلة لليهود المتزمتين دينيًا، والتي – بحسب وكالة “رويترز”- حرمت من مخصصات ميزانية عام 2025 التي وُعدت بها. أصاب نتنياهو في حساباته من تلك الحرب، ما تُرجم في عودة حزب “العظمة اليهودية” اليميني المتطرف بزعامة وزير الأمن السابق إيتمار بن غفير إلى حكومة نتنياهو، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة “حبل النجاة” لإنقاذها من السقوط.
لا يخفى على أحد أن الجبهة الداخلية باتت تقلق نتنياهو لا سيما أنه لم يستطع أن يحقق أهداف حربه التي بدأها على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023.
هناك غليان في الداخل الإسرائيلي بشأن قضية المحتجزين، حيث يعتبر الأهالي أنّ نتنياهو لم يستطع التعاطي مع الملف بمسؤولية، لا بل إن بيانًا صدر من قبل “منتدى عائلات الرهائن والمفقودين” اتهم نتنياهو باختيار التضحية بحياة ما تبقى منهم، وفقًا لما نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
يحتاج نتنياهو إلى تلك الجولة الثانية في الحرب على غزة، لأن أهداف الحرب بالنسبة إليه لم تتحقق، لا سيما من جهة إحداث تغيير في وجه المنطقة، وتمرير مشروع الممر الاقتصادي الذي تحدث عنه في أكثر من مناسبة، تحديدًا في 10 سبتمبر/ أيلول من عام 2023 في نيودلهي أثناء اجتماع قمة دول العشرين.
إن هذا الممر الاقتصادي يجد فيه نتنياهو مكسبًا لوضع إسرائيل على خارطة التجارة الدولية، كما يجعلها مركزًا محوريًا في نقل البضائع من جنوب آسيا إلى العمق الأوروبي.
ليس من باب الصدفة أن تبدأ إسرائيل حربها على القطاع، بعد أيام قليلة على تنفيذ الجيش الأميركي سلسلة مستمرة وتصاعدية من الغارات على جماعة الحوثيين في اليمن، تحت عنوان تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. ادعى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن بلاده “تقدم خدمة جليلة للعالم أجمع” بالهجمات التي تشنها ضدّ الحوثيين في اليمن.
عذرًا سيد روبيو، كان بودّ العالم أن يصدّق أن تلك الهجمات الأميركية هي خدمة للعالم، لو لم تأخذ الولايات المتحدة خيار الانحياز التام إلى جانب إسرائيل في حربها (إجرامها) على قطاع غزة.
عذرًا سيد روبيو لقد فقدت بلادك دورها كضابط للقضايا على الساحة الدولية، وبات الجميع يدرك أن الهجوم الأميركي على الحوثيين يحمل في طياته عناوين كثيرة باستثناء عنوان “الخدمة المجانية”.
إنّ تزامن العدوانين يؤكد على مدى التنسيق الأميركي الإسرائيلي بهدف تقويض عمليات المقاومة في المنطقة، لا سيما تلك التي تهدد الممر الاقتصادي الهندي. فالمنطقة بحسب المنطق الأميركي دخلت ضمن دائرة مصالحها، ما يؤكد أنّ أهداف نتنياهو في جولته الثانية لا تقف فقط عند عتبة ماذا يريد من الحرب، بل لها أهداف مع الولايات المتحدة لتحقيق مشاريعها القائمة على عرقلة الممر الصيني “الطريق والحرير” عبر توتير قناة السويس من خلال إعادة التصعيد العسكري مع الحوثيين.
أشار نتنياهو مساء الثلاثاء 18 مارس/ آذار، إلى أن ما حدث في غزة ليس إلا مجرد بداية، مؤكدًا “مواصلة الحرب حتى تحرير كل المختطفين والقضاء على حماس وضمان ألا تشكل تهديدًا لإسرائيل”. أهداف بعيدة كل البعد عما يعلن عنه نتنياهو، فهو جلّ ما يحتاجه من الحرب هو ضمان حقيقي لمسيرته السياسية، وما طلب منه أميركيًا لـ”تقليم” أظفار إيران في المنطقة.
لا يرتبط الموضوع بما يريده نتنياهو فقط، بل بما هو مطلوب منه من قبل الإدارة الأميركية لتكريس واقع يتعلق بتعبيد الطريق أمام الممر الاقتصادي الهندي، في عملية التطويق للنفوذ الصيني. صدق نتنياهو بأن الجولة الثانية ليست سوى البداية، لأنّه يدرك تمامًا أن سقف المطالب العالية التي تضعها الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية قد يصطدم بالإصرار على المقاومة من قبل شعوب المنطقة، أمام هذا الواقع، فهل ستتدحرج البداية “النتنياهوية” في غزة إلى حرب كبرى في المنطقة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع المقدسي للإعلام.