كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في تقرير أعدّه معلقها للشؤون العسكرية عاموس هرئيل، أن جيش الاحتلال يستعد لتوسيع المنطقة العازلة جنوب قطاع غزة لتشمل مدينة رفح والأحياء المحيطة بها (20% من مساحة القطاع)، في خطوة من شأنها أن تعزل القطاع تمامًا عن الحدود المصرية.
وبحسب الصحيفة، “تهدف الخطة إلى عزل رفح عن الحدود مع مصر، ومضاعفة الضغط على حماس، وسط تحذيرات من القادة والجنود بشأن تكرار العمليات في مناطق مدمّرة أصلًا، دون أهداف واضحة أو خطط مدروسة، الأمر الذي يزيد من المخاطر على الجنود، ويعكس توجهًا مقلقًا في التعامل مع غزة كمنطقة خالية من الأبرياء”.
وفي تقريره حول التحركات العسكرية الأخيرة للجيش الإسرائيلي، يعرض عاموس هرئيل تفاصيل حول خطط السيطرة على رفح وتحويلها إلى جزء من المنطقة العازلة، متناولًا أبعاد هذه الخطوة على المستوى العسكري والإنساني.
وفي مستهل التقرير، يوضح هرئيل أنّ “الجيش الإسرائيلي يتأهب لضمّ مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، والأحياء المتاخمة لها، إلى المنطقة العازلة التي أقامها على حدود القطاع”.
ويضيف: “كانت هذه المناطق تؤوي قرابة 200 ألف فلسطيني قبل الحرب، لكنها باتت شبه خالية بفعل عمليات الهدم والإخلاء التي نفذها الجيش. ومع انتهاء وقف إطلاق النار، وجهت قيادة الجيش دعوات للسكان المدنيين المتبقين للانتقال نحو ما تسميه “المنطقة الإنسانية” في خان يونس والمواصي، على مقربة من الساحل”.
ويشير الكاتب إلى تطور جديد في السياسة الإسرائيلية تجاه المناطق الحدودية: “حتى المرحلة الأخيرة من الحرب، تجنبت القوات الإسرائيلية ضمّ مدن بأكملها إلى المنطقة العازلة، لكن يبدو أن تجديد القتال بقرار من المستوى السياسي، وتصريحات نتنياهو بشأن نية السيطرة على أجزاء واسعة من غزة، أعطت دفعةً لهذا التوجه، الذي يكرر ما نُفّذ في شمال القطاع، ولكن هذه المرة في الجنوب”.
ويرى هرئيل أن توسيع المنطقة العازلة له أبعاد عسكرية واستراتيجية: “المساحة التي يتحدث عنها الجيش تصل إلى نحو 75 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل خُمس مساحة قطاع غزة، ما يجعل من القطاع جيبًا معزولًا تمامًا عن الحدود المصرية. هذا الفصل الجغرافي، بحسب مصادر أمنية، يهدف إلى خلق أدوات ضغط جديدة على حماس، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الدولي لأي حملة مطولة في القطاع، حتى من واشنطن. لذا، يخطط الجيش لتركيز عملياته في مناطق يرى أنها ستفرض ضغوطًا مباشرة على قيادة حماس، ورفح تمثل في هذا السياق نقطة جذب استراتيجية بسبب موقعها وحجمها”.
ويوضح الكاتب: “التحضيرات تشمل توسيع محور موراج، وتدمير المباني المحيطة به. وفي بعض المواضع، يتعدى عرض المحور الكيلومتر الواحد. ورغم عدم اتخاذ قرار نهائي بعد، إلا أن النقاش يدور حول احتمال جعل المنطقة بأكملها محظورة على المدنيين، أو تسويتها بالكامل بالأرض”.
ويتناول التقرير مسار إنشاء المنطقة العازلة منذ بداية الحرب في تشرين الاول/ أكتوبر 2023، قائلاً: “حينها أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطته لإبعاد التهديدات عن المستوطنات المحاذية لمسافة تتراوح بين 800 متر، و1.5 كيلومتر. المساحة المحددة تبلغ نحو 60 كيلومترًا مربعًا، تمثل أكثر من 16% من القطاع، وكان يقطنها ربع مليون فلسطيني. وتُظهر تقارير أممية أن 90% من المباني في هذه المنطقة قد دُمّرت أو لحقت بها أضرار جسيمة”.
ويضيف هرئيل أن التحركات العسكرية الإسرائيلية لا تقتصر على المحور بين موراج وفيلادلفيا، موضحًا: “بدأت القوات بتمركز واسع حول أطراف رفح، في ما يبدو أنها خطوات تمهيدية. أحد القادة الذين خدموا لأكثر من 240 يومًا في القطاع، وصف الوضع قائلًا: (لم يتبقّ ما يمكن تدميره في محيط القطاع، المنطقة باتت غير صالحة للسكن، ولا مبرر لبقاء كل هذا العدد من الجنود هناك)، معربًا عن استيائه من العودة إلى مناطق سبق تدميرها دون وضوح في الأهداف”.
وينقل التقرير كذلك شهادات جنود احتياط: “الرسائل التي تروج لها القيادة العسكرية تبدو مكرّرة منذ بداية الحرب، ولا تعكس الواقع الميداني”.
كما قال جنديّ احتياط: “عدنا بعد عام ونصف إلى نقطة البداية، نكرّر الهدم ذاته، دون وضوح في الأهداف أو جدوى العمليات”.
ويثير التقرير مخاوف تتعلق بسلامة الجنود: “عدد من الجنود قُتلوا نتيجة انهيارات في مبانٍ مدمرة جزئيًا. حادثة يناير التي قُتل فيها 21 جنديًا قرب طريق كيسوفيم، تمثل أحد أخطر هذه الحوادث. كما قُتل خمسة جنود في بيت حانون، وآخرون في رفح، نتيجة لانهيارات مماثلة، فيما لم يُنشر حتى الآن تقرير رسمي عن الحادث الأكبر”.
وفي القسم الذي يتناول شهادات المقاتلين، يكشف التقرير عن استراتيجيةٍ لهدم الأحياء: “الخطة، وفق خرائط ملونة وضعتها فرقة غزة، تضمنّت تقسيم المناطق إلى ألوان بحسب نسبة الدمار: أحمر، برتقالي، أصفر وأخضر. وكلّما زادت نسبة الهدم، اعتُبرت المهمة ناجحة. وتحول الأمر إلى منافسة بين الوحدات العسكرية على تحويل مساحات واسعة إلى اللون الأخضر، أي مناطق مدمّرة بالكامل”.
ويقول أحد الجنود الذين خدموا في دوريات المدرعات: “نحن نطلق النار على كل ما نشتبه به… التعليمات غير واضحة، والخط الفاصل في المنطقة العازلة غير مرئي على الأرض، مما يجعل أي شخص ضمن هذه المسافة هدفًا محتملًا. أحيانًا نطلق الرصاص على أشخاص يحملون أكياسًا، ظنًا أنهم يخفون سلاحًا”.
ويضيف الجندي، في شهادة تحمل طابع اليأس: “الفكرة السائدة حاليًا لدى الجيش، وربما لدى المجتمع الإسرائيلي عمومًا، أن لا وجود لمدنيين أبرياء في غزة، وكل من يقترب من الحدود مشبوه يجب التعامل معه على هذا الأساس”.
ويختتم هرئيل تقريره بالإشارة إلى “الارتباك المستمر في صفوف الجيش بشأن الغايات من العمليات المتكررة، والخطر الذي يتهدد الجنود والمخطوفين على حد سواء، ما لم يتم اعتماد رؤية استراتيجية واضحة لما بعد القتال”.