مقال | أ. سليمان أبو ستة
يحاول البعض تصوير الأنظمة العربية على أنها عاجزة، وصفرية القدرة، وأنها لا تملك من أمرها شيئا، ولذا ليس من المنطق مطالبتها بالعمل على وقف الحرب على غزة، والحقيقة أن هذه الأنظمة بالغة الكفاءة في أداء المهمات التي تريد فعلها، والدليل على ذلك قدرتها على منع أي عمل ضد الكيان الصهيوني انطلاقا من أراضيها، رغم حالة الغضب الواسعة بين كثير من الشباب العربي.
هذه الأنظمة لا تريد إنقاذ غزة، ولا تسعى لذلك، بل ترى مصلحتها في القضاء على المقاومة، لأن انتصارها يعطي نموذجا على قدرة الشعوب على الانتصار، وإحداث التغيير رغم ضعف الإمكانات والقدرات، وستكون غزة التي صمدت في وجه أكبر حملة قصف جوي في التاريخ الحديث قدرة ملهمة لكل من يفكر في مواجهة الطغيان.
وهذه الأنظمة تضع شعوبها أمام سؤال صادم في كل مرة يتم فيها الحديث عن ضرورة إنقاذ الفلسطينيين في غزة، والعمل على وقف الإبادة المستمرة بحقهم، وهذا السؤال هو: هل تريدون أن ندخل الحرب، وهل أنتم -أي الشعوب- قادرون على تحمل تكلفة الحرب، وهذا سؤال خاطئ أساسا، لأنه يتجاوز مساحة كبيرة من الأفعال القادرة على وقف حرب الإبادة قبل الوصول إلى إعلان الحرب، وكل هذه الخطوات لم يتم القيام بشيء منها على الإطلاق.
وسأعرض هنا عددا من الأفكار الاقتصادية والديبلوماسية والقانونية التي لم تقم بها الأنظمة العربية، بل قام بعضها بنقيضه، ومن هذه الأفكار:
- أولا: الخفض التدريجي لإنتاج النفط والغاز ورفع سعره عالميا، والإعلان أن ذلك الإجراء مرتبط بأعداد الشهداء والجرحى في قطاع غزة، كلما ارتفعت وتيرة الإبادة ستنخفض كميات النفط والغاز المنتجة، وهذا كفيل بدفع كثير من الدول الصناعية للضغط على الاحتلال بكل أدوات قوتها لوقف الإبادة، والإدراك أن هذه الحرب ليست محصورة في غزة، وإنما تمتد تداعياتها لكل مكان في العالم.
- لكن الأنظمة العربية والإسلامية فعلت العكس، وما زال النفط وغيره من السلع يصل إلى الكيان الصهيوني من دول عربية وإسلامية، أو عبر أراضيها.
- ثانيـا: إغلاق المجالات الجوية والبحرية والموانئ والمطارات والممرات المائية والحدود البرية في وجه الكيان الصهيوني ومن يدعمه بالسلاح، وعلى رأس ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولا يتصور أحد أن هذا غير ممكن فقد قرأت عن دولتين عربيتين قامتا خلال الفترات القصيرة الماضية بإغلاق مجالاتها الجوية في وجه دول أخرى لأسباب أقل بكثير من حرب الإبادة الحالية. ويمكن أن يتم هذا الإغلاق في وجه الكيان بشكل كامل، وفي وجه حلفائه بشكل تدريجي وصولا لشل حركة العالم كله في المنطقة العربية إن استمرت الإبادة أو تصاعدت، وستؤدي هذه الإجراءات لرفع مكانة وقيمة هذه الدول في العالم الذي سيسعى لضمان رضاها بكل ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
- ثالثـا: قطع العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني وإلغاء اتفاقيات التطبيع والتسوية معه، ووقف التنسيق الأمني الذي يتم على أعلى المستويات، وهذه من أهم أدوات الضغط غير المكلفة ولن تثير غضب أحد سوى الاحتلال وحلفائه الأقربين، وصولا إلى وقف عمل السفارات الأمريكية والبريطانية في الدول العربية طالما واصلت إمداد الاحتلال بالقنابل.
- رابعـا: توظيف كل القدرات الديبلوماسية والمصالح الاقتصادية مع دول العالم لدفعها إلى الضغط على الاحتلال من أجل وقف الإبادة، ومطاردة الاحتلال في كل المؤسسات الأممية والإقليمية لإخراجه منها، ودفع كل الدول الحليفة لقطع علاقاتها الديبلوماسية مع الاحتلال عبر توظيف موارد الأمة المالية في هذا المسار.
- خامساً: مطاردة الاحتلال وجنوده قانونيا في المحاكم الدولية وفي دول العالم، ويكفي أن ندرك أن القضية الأساسية التي تطارد الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية تقدمت بها جنوب أفريقيا وليس دولة عربية، لندرك حجم التقصير، ولنا أن نتأمل مع فعلته مؤسسة غير رسمية مثل مؤسسة هند رجب في مطاردة جنود الاحتلال في العالم لندرك كم بإمكان الدول العربية أن تفعل.
- سادسا: سحب الاستثمارات العربية من الشركات الداعمة للاحتلال، ولنا فيما قامت به المهندسة المغربية ابتهال السعد نموذجا، فقط ضحت بوظيفتها وفي المقابل هنالك مئات المليارات تستثمر في الشركات والدول التي تقتل الفلسطينيين، كما يمكن للأنظمة العربية أن ترفع من وتيرة الضرائب على منتجات هذه الشركات والدول بشكل تدريجي حتى تجبرها على قطع علاقاتها مع العدو.
- سابعـا: الضغط على الكيان الصهيوني وحلفائه جماهيريا، عبر تحريك مظاهرات مليونية تحاصر سفارات الدول الموالية للاحتلال، وتكثيف الحراك الجماهيري السلمي على حدود فلسطين المحتلة، وذلك على غرار مسيرات العودة، ليعلن الاحتلال حالة الاستنفار، ويضطر لجلب جنوده الذين يقتلون الأبرياء في غزة لحماية الحدود مع الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
- ثامنـا: السماح للشعوب بتحريك مئات آلاف السفن والقوارب الصغيرة إلى قطاع غزة محملة بمواد الإغاثة، والأدوية، وإجبار الاحتلال على التعامل مع هذا الكم البشري الكبير، والذي سيمثل له استنزافا غير مسبوق، وفي حالة وصول تلك السفن تكون قد أدت دورا مهما في منع المجاعة، وتوفير العلاج للمصابين.
- تاسعـا: الضغط الإعلامي على الاحتلال بتوظيف الموارد المالية الكبيرة لدى الأنظمة والشعوب في فضح جرائم الاحتلال في كل دول العالم، وإطلاع الشعوب عليها، ومخاطبة كل الدول ومؤسساتها الرسمية والبرلمانية والشعبية، والعمل على تشكيل جماعات ضغط عبر التنسيق مع الجاليات العربية، تحرج شعوب العالم ومؤسساته وتضعها أمام مسؤولياتها، وصولا إلى حالة يصبح فيها حملة جنسية هذا الكيان منبوذين في كل مكان.
ولكي تتخيلوا حجم التقصير الإعلامي تأملوا هجمة هذه الأنظمة لو تم المس بواحد من زعمائها، وانظروا كيف تستنفر كل أدواتها الصحفية السرية والعلنية لشن هجوم إعلامي مهول التأثير.
هذه بعض الأدوات التي يمكن للأنظمة العربية توظيفها في حملة واسعة لوقف حرب الإبادة، وتحويل الاحتلال الصهيوني إلى عبء كبير على العالم، ولو افترضنا أنه تم استخدام 10% فقط من قدرة الأنظمة على فعل ما سبق لتغير الواقع بشكل جذري، ولكن الحقيقة أن تلك الأنظمة لا تريد وقف الإبادة، وليست عاجزة عن وقفها كما يتم الترويج.
وهذا يضع الشعوب العربية أمام مسؤولية تاريخية، تجبرها على وضع خطة للتحرر من هذه الأنظمة التي لن تتحرك؛ حتى لو أبيد العرب جميعا وليس فقط شعبا من شعوبها، أما أولئك الذين يقولون وما علاقتنا بالفلسطينيين أساسا، ولماذا نتحرك من أجلهم، فما سبق ليس موجها لهم، وإنما موجه فقط لمن يستعد للإجابة على سؤال الله تعالى عند الوقوف بين يديه: ما الذي فعلته من أجل وقف الإبادة التي تم بثها على الهواء مباشرة، ورآها العالم أجمع؟