بطالة وفصل تعسفي يثقلان كاهل عمال القدس.. الحقوق تغيب والمعاناة مستمرة!

هيئة التحرير | لؤي حمدان

في 27 أبريل/نيسان الماضي كان العامل الفلسطيني عرفات قادوس -الذي ينحدر من إحدى قرى مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية– أحدث الشهداء الذين قضوا خلال محاولتهم الحصول على لقمة العيش بعد سقوطه عن الجدار العازل في بلدة الرام شمال القدس وهو يحاول اجتيازه للعمل في المدينة المحتلة بعد تعمد الاحتلال تجويع الفلسطينيين وإيقاف استصدار “تصاريح الدخول إلى إسرائيل” للعمال.

لحق عرفات بكل من العامليْن رأفت حماد وماهر صرصور اللذين استشهدا في القدس أيضا في مارس/آذار الماضي خلال محاولتهما توفير قوت أطفالهما، ومنذ اندلاع الحرب تعلن شرطة الاحتلال عن نجاحها بشكل شبه يومي في اعتقال عشرات ومئات العمال القادمين من الضفة الغربية خلال محاولتهم الدخول إلى القدس.

ووفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) نشرته في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن حرب الإبادة على قطاع غزة أدت إلى تراجع صادم في مؤشر الأنشطة الاقتصادية في القدس المحتلة.

وجاء في التقرير أن نحو 80% من الشركات والمصالح الاقتصادية في القدس توقفت عن العمل جزئيا أو كليا جراء العدوان الإسرائيلي الشامل على الفلسطينيين منذ نحو عام.

ولا تتوفر معطيات رسمية حديثة عن نسبة البطالة في القدس، لكن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قال في بيان بمناسبة يوم العمال إن معدلات البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية -ومنها القدس- سجلت في العام 2024 نحو 31% مقارنة مع حوالي 18% في العام 2023.

عضوية دون التزام

وفي اليوم العالمي للعمال ورغم انضمام إسرائيل إلى منظمة العمل الدولية عام 1949 فإنها لا تلتزم بأي من المبادئ التي توردها هذه المنظمة الدولية على موقعها عندما يكون المشغِّل إسرائيليا والعامل فلسطينيا.

ووفق تقرير أصدرته 4 مؤسسات حقوقية إسرائيلية في أبريل/نيسان 2024 وحمل عنوان “القدس الشرقية في ظل الحرب”، فإن 75% من سكان شرقي القدس كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل اندلاع الحرب، وإن نسبة البطالة ارتفعت بشكل غير مسبوق بعد فقدان العديد من العمال وظائفهم بسبب عمليات التسريح الناتجة عن “مخاوف عبّر عنها الزملاء أو العملاء”، وبسبب الشعور بالاضطهاد في أماكن العمل المختلطة (التي تضم عربا ويهودا).

وأدى ذلك وفقا للمنظمات الحقوقية إلى ارتفاع نسبة المقدسيين الباحثين عن وظيفة من 140% قبل اندلاع الحرب إلى 300% في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بزيادة قدرها 340%، وأدى الحجم الكبير لفقدان فرص العمل إلى إلحاق ضرر كبير بالأمن الغذائي لهؤلاء.

وأورد معهد القدس لأبحاث السياسات ضمن الأرقام السنوية التي ينشرها بمناسبة “يوم القدس” في تقريره لعام 2024 أن القدس هي واحدة من أفقر المدن، ففي عام 2022 كان نحو 218 ألف مقدسي يعيشون تحت خط الفقر من أصل 384 ألفا و700 يعيشون في هذه المدينة من مسلمين ومسيحيين.

وفي إطار المشاركة في القوى العاملة أشار التقرير السنوي لهذا المعهد الإسرائيلي إلى أن نسبة مشاركة العرب -الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عاما- في سوق العمل بلغت 56%، وتشير الأرقام إلى انخراط 83% من الرجال في القدس بسوق العمل مقابل 29% من النساء.

ورغم أهمية مشاركة المقدسيين في تحريك عجلة الاقتصاد بكافة القطاعات في المدينة المحتلة فإن العنصرية والاضطهاد اللذين مورسا ضدهم منذ اندلاع الحرب أديا إلى فقدان كثير منهم مصدر رزقهم، بل تعمّد بعض أرباب الأعمال الإسرائيليين تجويع الأسر المقدسية والإمعان في إهانتها.

فعلى سبيل المثال طردت بلدية الاحتلال في بداية الحرب مقدسيين يعملون في مجال المقاولات الزراعية بعد رفضهم زراعة أشجار على شكل علم إسرائيل في إحدى مستوطنات غربي القدس، وطُرد مهندس طبي لنشره آية قرآنية على تطبيق واتساب، وآخرون لأنهم ارتدوا اللون الأسود في بداية الحرب، واعتُبر ذلك حدادا على شهداء غزة.

ويضاف إلى هذه الأمثلة المئات من المقدسيين الذين عانوا من العنصرية على يد مديريهم أو الموظفين اليهود في مكان العمل، خاصة في بداية الحرب، ومن بينها استدعاء الكثيرين منهم لجلسات استماع وتوقيفهم عن العمل مؤقتا لمجرد أنهم تحدثوا باللغة العربية لا العبرية.

فصل تعسفي

بدوره، رصد مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عشرات حالات الفصل من العمل بسبب الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويقول مدير المركز رامي صالح إن الفصل كان تعسفيا ولمجرد إعلان المقدسيين عن مواقفهم التي اعتبرت تحريضية آنذاك.

وأضاف صالح أن الفصل التعسفي للموظفين والعمال من أماكن عملهم يتعارض مع القوانين المحلية الإسرائيلية ومع تلك التي وضعتها منظمة العمل الدولية.

وأشار صالح أن “أغلب القضايا التي تم توثيقها في مركز القدس هي لموظفين مقدسيين من فئة الشباب الذين تداولوا رسائل عبر مجموعات واتساب مغلقة، وتم لاحقا مسح جميع الرسائل إلا أنه تم أخذ صورة للشاشة وإيصالها للإدارة والمشغّلين الذين فصلوا هؤلاء العمال، وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة في المدينة، خاصة مع تضرر القطاع السياحي وتوقف كافة الخدمات المرتبطة به”.

لم تكن هناك قدرة للاعتراض قانونيا -وفقا لصالح- على حالات فصل العمال البسطاء، لأن أمر تشغيلهم وفصلهم يتعلق بالمشغّل الإسرائيلي نفسه الذي يقرر إنهاء التعاقد مع أي شخص في الوقت الذي يريد.

مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية المحامي زياد الحموري: هيمنة اليمين المتطرف على بلدية الاحتلال سيدفع نحو تصعيد المعركة الوجودية ضد الفلسطينيين بالقدس.

من جهته، قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري إن العمال المقدسيين يعيشون دائما تحت رحمة المشغّلين الإسرائيليين الذين يهضمون حقوقهم ولا يساوونهم مع العمال اليهود.

وظهر ذلك جليا خلال جائحة كورونا والحرب الحالية مع فرض وتطبيق قانون الطوارئ، وهو ما نتج عنه فصل الكثير من العمال أو معاقبتهم أو اعتقالهم وتقديم لوائح اتهام ضدهم، وأدى كل ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف المقدسيين بشكل كبير، وفقا للحموري.

57
التعليقات مغلقة