مقال | أ. سليمان أبو ستة
زادت وتيرة التفاؤل بشكل كبير عقب حديث ترامب عن إعلان كبير سيدلي به قبيل زيارته للمنطقة العربية، ثم إعلان حماس عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الحامل للجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر، لكن ذلك التفاؤل سرعان ما تراجع مع بدء الزيارة فعليا.
حيث لم يعلن الرئيس الأمريكي عن أي جديد فيما يتعلق بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، أو على الأقل بالسماح بإعادة دخول المساعدات والبضائع إلى القطاع؛ لتقليص آثار المجاعة الخطيرة حيث يمنع الاحتلال إدخال أي لقمة خبز منذ الثاني من مارس.
ومما عزز أجواء التشاؤم من إمكانية حدوث تغيير كبير في الواقع في غزة إصرار نتنياهو وأقطاب حكومته على تجديد التذكير بمواقفهم المصرة على استمرار الحرب، لدرجة أن نتنياهو قال بشكل علني: إنه يريد الحصول على عشرة أسرى إذا وافقت حماس ثم سيعود للحرب مجددا، وكأنه يقول لهم: لا تفرجوا عن الأسرى لأن الحرب مستمرة حتى لو أفرجتم عنهم، وهي رسالة في ظني موجهة بالدرجة الأساسية لمكونات ائتلافه الحاكم.
ورغم حديث المسؤولين الأمريكيين عن احتمال التوصل لاتفاق يستمر لسنوات، يتضمن وقفا للحرب وإعادة الإعمار، وإبعاد حماس عن حكم غزة من خلال بديل سياسي من لجنة محلية مدعومة عربيا، إلا أن الشواهد تدلل على أن احتمال حدوث ذلك خلال الفترة القريبة ليس كبيرا.
ويمكن الاستدلال على التأثير المحتمل لزيارة ترامب من خلال ملاحظة التطورات المتعلقة بقضيتين مهمتين، وهما: رفع الحصار عن قطاع غزة والسماح بإعادة ادخال المساعدات والسلع، وتأجيل العملية العسكرية الكبيرة التي يتحدث عنها نتنياهو بحق قطاع غزة وتم تسميتها عربات جدعون، ويتم من أجلها تجنيد آلاف من قوات الاحتياط، والتي تحدثت مصادر إسرائيلية أنه تم تحديد موعد انطلاقها.
حيث يمكن فقط القول إن الأنظمة العربية أقنعت ترامب بضرورة حل أزمة حرب الإبادة في قطاع غزة وأن الأخير نجح فعلا في التأثير على نتنياهو والضغط عليه، في حال تم فتح المعابر، وتأجيل العملية العسكرية.
وهو ما يمكن أن يبشر بإمكانية تطوير ذلك وصولا لانتهاء الحرب، لكن ذلك لم يحدث حتى اللحظة، ولا توجد بوادر عليه، خاصة مع القصف العنيف لمحيط المستشفى الأوروبي وتصعيد عمليات القصف في خانيونس والشمال ومطالبة العديد من سكان مدينة غزة بإخلاء أماكن النزوح، وهو ما يمثل تصعيدا كبيرا جدا مقارنة بالأشهر الثلاثة الفائتة.
ولا شك أن عدم توجه ترامب لزيارة الكيان الصهيوني ضمن جولته في المنطقة، وتوصله لاتفاق مع الحوثي في اليمن، وتفاوضه مع حماس، يشي بسياسة أمريكية مختلفة عما سبق مع الاحتلال، ولكن ذلك لم يقترن أبدا باستخدام الأدوات الأمريكية الكبيرة للتأثير على نتنياهو ودفعه لوقف الحرب.
وهو ما يذكر بزيارات الرؤساء الأمريكيين السابقين للمنطقة، والتي ارتبطت جميعها بتفاؤل كبير وأمل واسع بقرب حدوث تغيير جذري، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ومازالت معاناة الفلسطينيين مستمرة منذ زيارة كلينتون عام 1996 وحتى يومنا هذا.
ولفهم مبالغات ترامب وأنه لا يقصد تماما كل ما يتحدث به، يمكن مراجعة تصريحاته المتعلقة بقطاع غزة، حيث تحدث عن فتح أبواب الجحيم، وعن التهجير، وعن السيطرة الأمريكية على القطاع، وإنشاء ريفيرا غزة، وغير ذلك من التصريحات التي لم يعد يتحدث بها اليوم بل قام بنقيضها.
فقد انتقل من فتح أبواب الجحيم إلى فتح نافذة للتفاوض مع حماس، وهو ما يشير إلى أن كثيرا من التصريحات الضخمة التي يُعلن عنها قد يتم نسيانها غدا، بينما يستمر نتنياهو في قتل الفلسطينيين من أجل الاستمرار في الحكم.
ويمكن القول للأسف وبشكل صريح أن مواقف الأنظمة العربية لم تكن حازمة في دفع ترامب لوقف حرب الإبادة على غزة، فلقد تم استقبال الرجل بالاحتفالات والرقصات، وتم منحه مئات المليارات، في صورة اتفاقات واستثمارات تتناقض تماما مع المزاج العربي المقاطع في جزء كبير منه للبضائع الأمريكية.
وقد كان بالإمكان ربط هذه الاتفاقات والمساعدات بوقف التجويع وحرب الإبادة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل تم الضغط على المقاومة للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأمريكي دون مقابل تقريبا.
ولا يعني ما سبق أن ترامب لا يريد إنهاء الحرب في قطاع غزة في إطار تصور شامل ينهي الحروب في المنطقة العربية، بما في ذلك الصراعات المرتبطة بإيران، فالرجل أعلن أكثر من مرة أنه لا يحب الحروب، وأنه سيستخدم الضغوط الاقتصادية لتحقيق أهداف واشنطن.
لكن السؤال المركزي هنا، والذي يعد مفتاحا لفهم التأثيرات المحتملة لزيارة ترامب على الحرب في غزة، هو: هل يستطيع ترامب استخدام النفوذ الأمريكي الكبير في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب، وماذا لو رفض نتنياهو الاستجابة لهذه الضغوط؟
خاصة أن فهمنا لموقف نتنياهو وطبيعته، يؤكد أن حرب الإبادة لن تقف إلا إذا تم تغييب نتنياهو من المشهد؛ عبر إسقاط حكومته أو اعتقاله أو أي سبب آخر، أو إذا عجزت قوات الاحتلال عن مواصلة الحرب بسبب تصاعد وتيرة رفض الخدمة في حرب بلا معنى، وتتعارض مع قناعات قطاعات متصاعدة في الجمهور الصهيوني، ولا غاية لها إلا تحقيق أهداف سياسية ضيقة، أو إذا تم منع وصول السلاح وخاصة القنابل والصواريخ الأمريكية لقوات الاحتلال.
ومن هنا لو افترضنا أن ترامب جاد في وقف الحرب هل يملك القدرة على اتخاذ قرارات قادرة على إجبار نتنياهو على التراجع، رغم أن التراجع يعني نهايته السياسية، وإذا رفض نتنياهو التراجع هل يملك ترامب الأدوات الكفيلة بتحريك الشارع الإسرائيلي والمؤسسات العميقة في إسرائيل، للتعاون وفق خطة محكمة لإسقاط حكومة نتنياهو.
وهو ما قد يعني الذهاب لحرب أهلية صهيونية داخلية، إذا شعر اليمين بأن نتنياهو تم اسقاطه بمؤامرة تعاونت فيها أجهزة الأمن والجيش والقضاء مع الإدارة الأمريكية.
وظني أن الولايات المتحدة لن تذهب لمثل هذا السيناريو، لكن ترامب قد يواصل خطواته السابقة بالتخلي عن حكومة نتنياهو والبعد عن أزماته ومشكلاته، مثل التفاوض مع الحوثيين ووقف هجماتهم على السفن الأمريكية مع استمرارها ضد إسرائيل، والتفاوض مع حماس بعيدا عن معرفة نتنياهو وحكومته.
ومواصلة هذا التوجه يعني أن حرب الإبادة ستستمر، لكنها في المقابل ستقود إسرائيل لمزيد من الضعف وفقدان الحلفاء والتفكك الداخلي المتدرج، وهو ما قد تتزايد وتيرته إذا قررت حكومة نتنياهو تصعيد حروبها سواءً ضد الضفة كما يهدد سموتريتش، أو ضد الدول الإقليمية المجاورة مثل لبنان أو سوريا.