جنود إسرائيليون يروون كيف دمّروا غزة.. “دمّروهم كي لا يعودوا”

كشف تحقيق إسرائيلي، استنادًا إلى شهادات ميدانية وصور أقمار صناعية، عن سياسة تدمير شاملة ينتهجها الاحتلال في قطاع غزة، هدفها يتجاوز العمليات العسكرية ليصل إلى منع الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم. وحمل التحقيق الصحفي عنوان “دمّروهم كي لا يعودوا: جنود يروون كيف دمّروا غزة”، من إعداد ميرون رابوبورت وأورين زيف، ونُشر في موقع “سيخا موكوميت” العبري اليساري.

يكشف جندي إسرائيلي خدم في رفح، عن حجم التدمير اليومي الذي شارك فيه، قائلًا: “في غضون يومين فقط حصلت على أربع أو خمس جرافات. كانت كل واحدة منها تهدم نحو 60 منزلًا في اليوم. المنزل المكون من طابق أو اثنين يُسوّى بالأرض خلال ساعة واحدة، أما المباني التي تتألف من ثلاثة إلى أربعة طوابق فتحتاج وقتًا أطول. المهمة الرسمية كانت فتح طريق لوجستي للمناورة، لكن في الواقع، كان عملنا يتمثل في تدمير المنازل بشكل مباشر. الجزء الجنوبي الشرقي من رفح أصبح مدمرًا تمامًا، الأفق مسطح، لا يوجد ما يدل على وجود مدينة”.

عدّة جنود أكدوا أن هذا السلوك لم يكن استثنائيًا، بل جزءًا من نمط يومي، مشيرين: “التدمير الممنهج للمباني السكنية والعامة وحتى الأراضي الزراعية لم يعد مجرد نتيجة ثانوية للحرب، بل أصبح جزءًا جوهريًا من العقيدة العملياتية للجيش، بل وفي حالات كثيرة، هدفًا بحد ذاته”.

التبريرات التي قدمها الجيش لتفسير حجم الدمار جاءت متناقضة، كما أوضح أحد الضباط قائلًا: “صحيح أن جزءًا من الدمار الكبير ناجم عن القصف الجوي والاشتباكات المباشرة، أو بسبب عبوات زرعتها حماس أو الجهاد الإسلامي، لكن المؤشرات تدل على أن الغالبية العظمى من هذا الدمار نتج عن عمليات مقصودة ومنهجية باستخدام الجرافات أو المتفجرات. ويبرر الجيش هذه الأعمال بعدة ذرائع: من تدمير المباني المرتبطة بحماس، إلى إزالة أي مبنى يمكن أن يشكل “تهديدًا مستقبليًا”، وصولًا إلى تنفيذ ما يسمى بـ”المناطق العازلة”.

وأكد تقرير داخلي في يناير 2024  أن عمليات الهدم كانت واسعة النطاق، بهدف إنشاء شريط أمني، وجاء فيه:”الجيش نفّذ “تدميرًا شاملًا ومنهجيًا” للمباني الواقعة قرب السياج الحدودي داخل القطاع بعمق كيلومتر واحد، دون أن تُصنف هذه المباني كأهداف عسكرية من قبل المخابرات أو القوات الميدانية، وذلك بغرض إنشاء “شريط أمني”. وشهدت مناطق مثل بيت حانون، بيت لاهيا، الشجاعية، وخربة خزاعة، تدميرًا شبه كامل.

أحد الجنود الذين شاركوا في عمليات التدمير اعترف صراحةً بعدم وجود مبرر عسكري لما جرى، مضيفًا: “لم يكن هناك مبرر لتدمير هذه المباني. لم تكن تهدد إسرائيل، ولا علاقة لها بحماية المستوطنات”.

من جانبه، أوضح قائد سرية بوضوح أن الغرض من التدمير هو منع الفلسطينيين من العودة، قائلًا: “كان الهدف أن لا يعود السكان إلى هذه المناطق أبدًا. كان القادة يتحدثون عن ذلك بوضوح أحيانًا، وأحيانًا أخرى نلتقط الفكرة من الجو العام والتصريحات السياسية”.

وتدعم التغيرات في المشهد الديموغرافي هذه الشهادات، حيث أورد التقرير:”قُتل أكثر من 52,928 فلسطينيًا منذ 7 أكتوبر/ 2023، أغلبهم بفعل القصف الجوي. منذ خرق وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار، قُتل نحو 2800 آخرين، معظمهم أيضًا بالقصف، إذ لم تكن هناك عمليات برية في المناطق المأهولة”.

كما تعزز تصريحات لمسؤولين إسرائيليين هذا الاتجاه السياسي نحو التدمير الشامل؛ إذ قال وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس: “إذا لم يتم إطلاق سراح المخطوفين ولم تُسقط حماس… فسنتحرك إسرائيل بقوة غير مسبوقة. البديل أمام الغزيين هو الدمار الكامل”.

كذلك قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بوضوح: “نحن نهدم المزيد والمزيد من المنازل، ليس لديهم مكان يعودون إليه”.

أحد الضباط السابقين أشار إلى أن من قاد الحرب على غزة في مراحلها الأخيرة، كان يدير العملية وفق تصور يضمن عدم عودة السكان، قائلًا: “الشخص الذي قاد الحرب التاسعة هو من أعاد سكان غزة إلى الجنوب، بعد أن أدركوا أنه لا مكان لهم للعودة إليه. هذه لم تكن أوامر رسمية، بل سياسة ميدانية انطلقت من القادة الميدانيين وقادة الكتائب”.

بدوره، أكد مسؤول أمني سابق أن التدمير تجاوز الحاجة العسكرية، مشيرًا: “تلقيت بلاغات من ضباط تؤكد أن الجرافات تعمل بشكل غير موجه، وأن بعض التدمير لم يكن ضروريًا، وأنهم باتوا يشعرون أنهم يخرقون القانون الدولي”.

إلى ذلك، حذر الخبير القانوني مايكل سفارد من أن ما يجري قد يرقى إلى جرائم حرب، قائلًا: “ما حدث يمثل جريمتي حرب: التدمير غير الضروري من الناحية العسكرية، والتدمير الواسع النطاق للممتلكات دون مبرر عسكري”.

من ناحية أخرى، توثق تحليلات أقمار صناعية وتقارير باحثين حجم الدمار غير المسبوق، حيث جاء في تقرير للأمم المتحدة (UNOSAT):”عدد المباني المدمرة بالكامل بلغ 60,368، والمتضررة بشدة 20,050، والمتضررة جزئيًا 56,292، والمتضررة بدرجة أقل 34,102. أي أن نحو 69% من المباني في غزة، وتشمل ما يُقدّر بـ245 ألف وحدة سكنية، قد تضررت بدرجات مختلفة”.

تقدير إضافي قدّمه البروفيسور عادي بن نون في فبراير 2025، قال فيه: “عدد المباني المدمرة بالكامل وصل إلى 70 ألف مبنى (28% من مباني القطاع). وتشير البيانات الأولية لشهر مارس/آذار إلى تدمير ما لا يقل عن 2000 مبنى إضافي، منها أكثر من 1000 في رفح وحدها”.

بدوره، خلص الباحث أرييل كين من خلال تحليل بصري إلى نتائج صادمة، موضحًا: “نحو 73.5% من مباني رفح ومحيطها دُمرت بالكامل، و11.9% تضررت جزئيًا، و3.9% تضررت بشكل كبير”.

23
التعليقات مغلقة