هيئة التحرير: لؤي حمدان
في قطاع غزة المحاصر، حيث تتراقص أشباح المجاعة على أنقاض المنازل، يواجه الأهالي كابوساً جديداً يهدد أرواحهم البريئة: مخدر قاتل يتسلل إلى أكياس الطحين المخصصة للمساعدات الإنسانية. إنها ليست مجرد حرب على الأرض، بل حرب خفية تستهدف العقول والأجساد، تحول شريان الحياة إلى سم زعاف، وتضع الإنسانية على المحك في ظل صمت دولي مريب.
الأوكسيكودون: سمٌ يتخفى في رغيف الخبز
كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن جريمة بشعة: العثور على حبوب “الأوكسيكودون” المخدرة داخل أكياس الطحين التي توزعها مراكز المساعدات الأمريكية والإسرائيلية. هذه الحبوب، التي وصفها البيان بـ”المخدر القاتل”، ليست مجرد مادة إدمانية، بل هي سلاح فتاك يفتك بالصحة العامة، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يعيشها سكان القطاع. الأوكسيكودون، وهو مادة أفيونية شديدة التأثير، يُستخدم طبياً لتسكين الآلام المبرحة، لكن تناوله خارج الإشراف الطبي يعد انتحاراً تدريجياً، وقد يؤدي إلى الإغماء، الهلوسة، السلوك العدواني، وحتى الموت نتيجة فشل الجهاز التنفسي. الأخطر من ذلك، أن التحقيقات ترجح احتمالية طحن هذه الأقراص أو إذابتها داخل الطحين نفسه، مما يحول الغذاء الأساسي إلى مصدر للموت البطيء.

أبعاد الكارثة: صحة، إدمان، ومؤامرة
تتجاوز خطورة هذه الجريمة الأبعاد الطبية لتشمل جوانب نفسية واجتماعية خطيرة. ففي ظل المجاعة ونقص التغذية، يصبح الجسم أكثر هشاشة، وتزداد سمية الأوكسيكودون حتى بجرعات صغيرة. الكبد والأمعاء والدماغ، التي تعاني أصلاً من نقص الفيتامينات والمعادن، تصبح عرضة للتلف السريع. كما أن هذه المادة المخدرة تزيد من خطر الإدمان، وتؤدي إلى الاكتئاب الحاد الذي قد ينتهي بالانتحار. يخشى الخبراء أن تكون هذه العملية متعمدة لنشر الفوضى والإدمان بين الشباب الفلسطيني، أو استهداف فئة محددة من المدمنين، مما يثير تساؤلات حول الأهداف الخفية وراء هذه الجريمة النكراء.
أطفال غزة: ضحايا التجويع والمخدرات
الأطفال والحوامل هم الفئة الأكثر عرضة للخطر. فنقص التغذية المشترك مع التعرض للأفيونات يؤدي إلى تشوهات جنينية ونقص في نمو الجنين. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن نحو 112 طفلاً فلسطينياً يدخلون المستشفيات يومياً في غزة لتلقي العلاج من سوء التغذية منذ بداية عام 2025، بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق. وارتفع عدد وفيات الأطفال جراء سوء التغذية إلى 66 حالة منذ 7 أكتوبر 2023، بسبب إغلاق المعابر ومنع إدخال الحليب. هذه الأرقام المروعة تؤكد أن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل إبادة جماعية ممنهجة تستخدم فيها كل الوسائل، حتى المساعدات الإنسانية، لقتل وتجويع المدنيين الأبرياء.

دعوات للتحقيق الدولي: هل من عدالة؟
وطالب المكتب الإعلامي في غزة الجهات الحقوقية والدولية بفتح تحقيق عاجل في كيفية إدخال هذه المواد السامة إلى القطاع عبر قنوات يفترض أنها إنسانية. مؤكدًا أن استغلال المساعدات لتحقيق أهداف أمنية أو تخريبية يضع المؤسسات الدولية أمام اختبار حقيقي لشفافيتها وأدوارها. فالمراكز التي عُثر فيها على هذه الحبوب تعمل منذ أكثر من شهر، وتوزع الطحين في ثلاث نقاط رئيسية: مركز الحي السعودي بمدينة رفح، مركز موراج بمدينة رفح، ونقطة نتساريم في وسط القطاع، وكل ذلك بإشراف أمريكي وإسرائيلي. وهذا يثير تساؤلات جدية حول مدى تورط هذه الجهات في هذه الجريمة، وضرورة محاسبة المسؤولين عنها.
وأضاف المكتب، أن ما يحدث في غزة هو انتهاك صارخ للقوانين الدولية ولكل القيم والأعراف الإنسانية، ويتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف هذه الجرائم الوحشية وحماية المدنيين الأبرياء.
ويغلق الاحتلال الإسرائيلي منذ 2 مارس/ آذار 2025 بشكل محكم معابر غزة أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يومياً كحد أدنى، بحسب الأمم المتحدة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعاني أهالي قطاع غزة من إبادة جماعية، من قتل وتجويع وتدمير وتهجير ممنهج، رغم النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقفها.
وخلفت الحرب حتى الآن أكثر من 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.