هيئة التحرير: لؤي حمدان
في خضم المفاوضات الشائكة لوقف إطلاق النار في غزة، قدمت حركة حماس ردها الذي وصف بـ”الإيجابي”، إلا أن الطريق نحو اتفاق دائم لا يزال محفوفًا بالتحديات. أربع نقاط خلافية رئيسية تبرز كـ”ألغام” قد تعرقل مساعي التوصل إلى هدنة مستقرة، وتكشف عن تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في القطاع المحاصر. فبينما تتطلع الأنظار إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق، تظل هذه النقاط محط أنظار الجميع، وتحدد مصير مئات الآلاف من سكان قطاع غزة.
قدمت حركة حماس ردها على مقترح وقف إطلاق النار في غزة، ورغم أنه اتسم بـ”الإيجابية” كما أعلنت، إلا أن هنالك نقاط خلافية قد تشكل تحدياً لإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي.
حركة حماس أوضحت في بيانها أنها أكملت مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية حول المقترح، وقامت بتسليم الرد الذي اتسم بـ”الإيجابية”، وأن الحركة جاهزة بكل جدية للدخول فوراً في جولة المفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار.

رد الحركة شمل ثلاث نقاط مهمة تريد الإيضاح بشأنها، وهي:
- آلية إدخال المساعدات.
- خرائط الانسحاب.
- ضمانات استمرار الهدنة وإنهاء الحرب.
وتقول صحيفة “معاريف” إن إسرائيل تدرس مدى توافق رد حماس مع الموقف الإسرائيلي، وما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاقات في إطار المفاوضات.
وذكرت القناة 12 العبرية أنه بعد رد حماس ستبدأ محادثات غير مباشرة بين الطرفين، ومن المتوقع أن يغادر الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة لإجراء مفاوضات حول شروط الاتفاق، مشيرة إلى أنها قد تستغرق على الأكثر يوماً ونصفاً.
فيما أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، لكنه أوضح أنه “لم يُبلّغ بعد بتفاصيل الرد”.
ألغام في طريق الهدنة (تحديات تواجه صفقة غزة)
أولاً: آلية إدخال المساعدات.. صراع على السيطرة

وتشير المصادر، أن حماس تطالب بأن يتم تدفق المساعدات وفقاً للبروتوكول الإنساني، وترفض آلية المساعدات الأمريكية الإسرائيلية عبر الشركة الأمريكية التي تسببت بمقتل مئات الفلسطينيين.
فيما نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مصادر أن حركة حماس تطالب بأن تتولى الولايات المتحدة إدارة نظام تقديم المساعدات الإنسانية في غزة مرة أخرى، وألا تكون “مؤسسة غزة للإغاثة” الأمريكية جزءاً من العملية.
وكانت إسرائيل في المناقشات التي واكبت مقترح ويتكوف المقدم في 28 مايو/أيار، وكذلك في 11 يونيو/حزيران 2025، قد رفضت التعديلات التي قدمتها حركة حماس في هذا الإطار، لكنها وافقت مؤخراً على زيادة تدفق المساعدات.
ورأى المحلل العسكري في قناة 14 العبرية، نوآم أمير، أن إسرائيل إذا وافقت على مطلب حماس بشأن آلية المساعدات، فإن ذلك سيتسبب باستعادة الحركة السيطرة على القطاع، وستتلاشى بالكامل إنجازات الشركات الأمريكية العاملة هناك.
فيما قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل لن توافق على إخراج “مؤسسة غزة للإغاثة” من قطاع غزة، كما أن الولايات المتحدة التي أعلنت أنها ستحول 30 مليون دولار إلى الصندوق التابع لها، سترفض ذلك أيضاً.
ثانياً: خرائط الانسحاب.. حدود الصراع
وتطالب حركة حماس في ردها بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود التي كانت قائمة قبل انهيار وقف إطلاق النار في مارس/آذار 2025، وبموجب اتفاق 19 يناير/كانون الثاني.
ويقول المحلل العسكري في القناة 14 العبرية إنه إذا وافقت إسرائيل على هذا البند، فإنها ستقوض كل إنجازات عملية “مركبات جدعون”.
وبحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن هذا المطلب قوبل بالرفض سابقاً، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي أبدى استعداداً للانسحاب حتى محور موراج الجديد، والبقاء في كل المناطق الواقعة جنوبه.
في الإطار، أكدت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن الصعوبة الرئيسية في مواصلة المحادثات ستكون بشأن خريطة انسحاب الجيش الإسرائيلي.
فيما أوضحت “يديعوت أحرونوت” أنه في الواقع لم يُتفق بعد على تفاصيل الانسحاب، مشيرة إلى أن إسرائيل قد توافق على الانسحاب حتى “محور موراج”، لكنها تصر على محيط أمني بعمق لا يقل عن 1.2 كم داخل القطاع، أي 250 متراً أكثر من المحيط الأصلي.
ثالثاً: إنهاء الحرب و”اليوم التالي”.. تعهدات غائبة

وتطالب حركة حماس بالتزام الاحتلال بعدم استئناف القتال بعد 60 يوماً من وقف إطلاق النار، وضمان استمرار المفاوضات.
ورغم تعهد ترامب بالعمل مع جميع الأطراف لإنهاء الحرب خلال هدنة الـ60 يوماً، إلا أن الإطار الجديد لا يتضمن تعهداً من الوسطاء، بما فيهم الولايات المتحدة، بإلزام إسرائيل بإنهاء الحرب.
وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن نتنياهو لم يصرح حتى الآن ولو لمرة واحدة بأنه يدعم إنهاء الحرب، كجزء من صفقة الـ60 يوماً، بل أوضح في الأيام الأخيرة أنه “لن تكون هناك حماس ولن تكون هناك حماستان، لا عودة لذلك”.
فيما كشفت القناة 14 العبرية أن الاقتراح الحالي يتضمن رسالة جانبية من ترامب، تمنح فيها الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لتجديد إطلاق النار إذا لم تُلبَّ مطالبها المتعلقة بنزع سلاح حركة حماس، ونفي قادتها، في مفاوضات إنهاء الحرب.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء مساء الثلاثاء الماضي، تعهد نتنياهو بأن أي اتفاق سيضمن “تدمير المقاومة الفلسطينية”، قائلاً: “علينا قتل كل من يحمل سلاحاً”.
رابعاً: تساؤلات حول تبادل الأسرى.. تعقيدات إنسانية وسياسية
وحول آلية تبادل الأسرى، تثير صحيفة “يديعوت أحرونوت” عقبة مركزية أخرى، وهي أنه ليس من الواضح من سيكون العشرة الأحياء الذين سيتم الإفراج عنهم من أسر حماس، ومن هم الـ18 جثماناً الذين سيتم تسليمهم؟
وبحسب مسودة المقترح، فإنه مقابل الإفراج عن الأسرى الـ10 الأحياء، والـ18 جثماناً، ستفرج إسرائيل عن عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين.
ورغم أن العدد لم يُذكر، إلا أن المؤشرات تشير إلى أنه سيتم الإفراج عن 1000 أسير، من ضمنهم 100 من أسرى المؤبدات، بحسب “يديعوت أحرونوت”، التي تذكر أن حماس ستطالب بالإفراج عن “رموز”، وستعارض إسرائيل ذلك.
دوافع نتنياهو.. حسابات سياسية في ظل الضغوط

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن دولة الاحتلال تواصل دراسة الملاحظات التي قدمتها حماس بشأن مسودة اتفاق وقف إطلاق النار.
ونقلت صحيفة “هآرتس” عن مصدر إسرائيلي أن المجلس الوزاري المصغر قد يجتمع مساء السبت 5 يوليو/تموز 2025، لمناقشة الاتفاق المرتقب، ومستقبل القتال في قطاع غزة، ورد حركة حماس.
وقدّر المصدر الإسرائيلي أنه إذا قررت تل أبيب إرسال وفد المفاوضات، فسيتم عقدها أولاً في قطر، تليها محادثات بين فرق فنية في القاهرة.
في هذا الإطار، تعتقد صحيفة “معاريف” أن رد حماس “ليس مرناً”، بل على العكس من ذلك، وهي تقدم موقفاً قائماً على استقلاليتها، وتخطط للذهاب بعيداً، بحيث تبقى العامل الأهم في غزة حتى “اليوم التالي”.
وشككت الصحيفة الإسرائيلية في قبول إسرائيل رد حركة حماس على المقترح الجديد.
وأكدت أنه إذا قبلت إسرائيل تحفظات حماس، فسيكون من الخطأ المضي قدماً في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على مراحل، لأنه في ظل هذا الوضع، فلا مصلحة لحماس في تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة، على حد زعم الصحيفة.
المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” أوضح أن ترامب يسعى فعلياً إلى استغلال ما يصفه بـ”النصر الكبير” على إيران للهيمنة على نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، محطته الأولى هي غزة، ونتنياهو يدرك جيداً هذا الأمر.
وأضاف أن نتنياهو، الذي يدين بدين كبير لترامب بعد أن ساعده في الحرب على إيران، وتصرف على عكس موقف معظم “قاعدته” في الحزب الجمهوري، لا يزال يسعى لمعرفة ما إذا كان بإمكانه الاحتفاظ بمخرج يبقي ائتلافه قائماً.

كما يشعر الجناح اليميني المتطرف في الحكومة أيضاً بالخطر، فبعد خلافه مع رئيس الأركان إيال زامير في وقت سابق من هذا الأسبوع حول أهداف الحرب في قطاع غزة، دعا الوزير إيتمار بن غفير زميله بتسلئيل سموتريتش إلى تشكيل جبهة مشتركة لإحباط الصفقة، لكن الرأي العام في إسرائيل مختلف تماماً.
ورغم أن شعبية نتنياهو ارتفعت قليلاً بعد الهجوم على إيران ووقف إطلاق النار هناك، فإن كل استطلاعات الرأي تشير باستمرار إلى أغلبية مطلقة من الجمهور تؤيد إنهاء الحرب مع عودة جميع الرهائن، حتى ولو بثمن باهظ، كما يذكر المحلل الإسرائيلي.
وأشار إلى أن نتنياهو يحاول تقليص عدد الإسرائيليين المعتقلين لدى حماس قدر الإمكان، دون تحقيق الهدف النهائي، الذي قد يؤدي إلى تفكيك حكومته. وفي هذه الأثناء، يحاول كسب الوقت، فمع نهاية الشهر، سيدخل الكنيست عطلته الصيفية، وسيكون الائتلاف في مأمن حتى أكتوبر على الأقل.
أما صحيفة “معاريف”، فقد أوضحت أن الأمريكيين حددوا هدفاً واضحاً، وهو المضي قدماً في الاتفاق حتى الوصول إلى نتيجة خلال زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، في عملية لا رجعة فيها.
وخلف السطور، هو أن ترامب قدم دعماً استراتيجياً جديداً لنتنياهو، حيث نوقشت اتفاقية إضافية للمساعدات الأمنية بين واشنطن وتل أبيب، تتضمن تسليحاً دقيقاً لنظام الدفاع الإسرائيلي.

وأوضحت الصحيفة أن نتنياهو نفسه لديه مصلحة واضحة في الاتفاق، ويفضل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لعدة أسباب:
- إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، حتى لو جزئياً، ورقة سياسية قوية.
- تخفيف الانتقادات الموجهة له داخلياً وخارجياً، والتوجه نحو آفاق سياسية جديدة.
وإذا تم إبرام الوقف المؤقت لإطلاق النار في غزة، فسيضطر الوزيران بن غفير وسموتريتش إلى الانتظار حتى الانسحاب بسبب عطلة الكنيست، كما أنه من المتوقع أن يتسبب ذلك بتوسيع الائتلاف من خلال انضمام بيني غانتس إليه.
طريق الصفقة.. بين الأمل والتحديات
تظل صفقة وقف إطلاق النار في غزة معلقة بين الأمل والتحديات. فبينما تسعى الأطراف للتوصل إلى حل ينهي معاناة القطاع، تبرز نقاط الخلاف كعقبات حقيقية. إن فهم هذه الألغام الأربعة – آلية المساعدات، خرائط الانسحاب، إنهاء الحرب، وتبادل الأسرى – هو مفتاح فك تعقيدات المشهد. فهل تنجح الدبلوماسية في تجاوز هذه العقبات، أم أن غزة ستظل رهينة لصراع لا ينتهي؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.