البيع بالملعقة.. هكذا يحصل أهالي غزة على احتياجاتهم اليومية

داخل السوق في شارع الجلاء بمدينة غزة، يجلس الباعة ويرصون البضائع على بسطاتهم، بينما أخذ أحدهم ينادي: “السيرج والسكر والسمنة النباتي.. بالملعقة”، في ذات السوق كانت سناء أبو ريالة، تحاول البحث عن إكمال مكونات وجبة الغذاء، مما دفعها سريعًا إليهم، للحصول على الزيت (السيرج) والسمنة.

وقالت سناء: “كنت أمشي بكل الأسواق لعلّ وعسى أعثر على سيرج [زيت] يباع بسعر مناسب، فالجميع يبيع بسعر موحد 80 شيكلًا، وعندما سمعت الباعة ينادون بيع المستلزمات الأساسية بالملعقة، وكأنه نجاني من بطن المجاعة التي تنتهك أجسادنا”.

وتشير إلى أنّ كمية قليلة من السيرج تكفي فقط لوجبتين بـ10 شواكل، وكذلك السمنة، بعد أن كانت الزجاجة سعرها 7 شواكل وتكفي لأسبوع وأكثر.

وتتساءل سناء: “متى التجار سيشعرون بمعاناة أبناء شعبهم؟ ولماذا يعاملوننا كأننا سياح وليس نازحين ومجوعين ونموت إما بصواريخ الاحتلال أو جوعًا؟”، معبرةً عن أمنيتها بـ”إنهاء الحرب على غزة لتعود الحياة إلى طبيعتها وتنتهي الأزمات التي عصفت بهم”.

وتناشد الجهات المختصة بفرض رقابة شديدة على أصحاب البسطات والتجار وضبط الأسعار، مردفةً: “المستلزمات الغذائية التي تباع في الأسواق هي فقط مساعدات، فكيف لهم وضع أسعار كما يحلو لهم ونهب المواطنين الذين يعانون من البطالة والموت؟”.

بورصة السكر

بينما تجلس سها حمدان أمام خيمتها في ملعب اليرموك مع عائلتها تنتظر الشاي على النار، بعد شراء ملعقتين من السكر بسعر 15 شيكلًا، معبرين عن سعادتهم بأنهم سيشربون الشاي بعد غيابه عنهم أكثر من شهر.

“السكر أصبح كالبورصة”، هكذا وصفت سها سعر السكر في الأسواق بعد ارتفاعه من 7 شواكل إلى 250 – 400 شيكل، وهذا السعر حدده أصحاب البسطات، ولعدم قدرة المواطنين على الشراء باتوا يبيعونه بالملعقة.

وتروي سها، أن “السكر مهم جدًا ويعتبر مصدر طاقة خاصة لمرضى السكر، فهم بحاجة ماسة له، ولا أحد يراعي معاناتهم التي تمثل ملعقة السكر عاملًا لإنقاذهم من الموت أو الغيبوبة، فلا أحد يرحمهم بل يزيدون من معاناتك اليومية”.

وتبيّن أنها قررت شراء ملعقتين السكر “شعرت وكأنها امتلكت طنًا من الذهب”، واعتبرته أكبر هدية قيمة من الممكن أن “تقدمها لوالديها”، لافتةً إلى أنّ والدتها مريضة سكري وتحتاجه، إلا أن الواقع الاقتصادي أرغمهم على عدم الشراء والاكتفاء بالنظر إليه وإنقاذها فقط بالمكملات الغذائية.

ولم تنتهِ معاناة المواطنين من السكر والزيت (السيرج)، بل تصل إلى التوابل والقهوة التي وصلت أسعارها إلى أضعاف مضاعفة، عما كانت عليه قبل الحرب، وبات البعض غير قادر على الشراء بفعل الأسعار المرتفعة، بالإضافة إلى العمولة العالية التي وصلت لـ42 بالمئة.

سائد الأدغم، ذهب إلى السوق وتفاجأ أن ملعقة ونصف من التوابل تباع بخمسة شواكل، وعندما وصل إلى بائع آخر من أجل شراء القهوة اكتشف أنها باتت تباع بالملعقة، وقال: “حياتنا هكذا أصبحت تُشترى بالملعقة”.

وأضاف سائد، أنه “على الرغم من أننا في مجاعة وبعض الأكلات غير متوفرة، إلا أن التوابل أسعارها ارتفعت وكأننا نعثر على الطعام بشكل يومي، ولا يوجد غير العدس والمعكرونة وخضروات شحيحة”.

واعتبر أنّ الأزمة مفتعلة من قبل التجار، على الرغم من أن جميع المنتجات مغشوشة، فيما بات التفكير بشراء أي شيء يتطلب تخطيطًا وحسبة تراعي كافة التفاصيل المالية.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، يعيش في هذه المعاناة نحو مليوني نسمة من سكان قطاع غزة، و93 بالمئة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجاتٍ متفاوتة، كواحدة من أخطر تداعيات الحرب الإسرائيلية على صحة الغزيين.

وبالعودة إلى سائد، يختم قوله: “نحتاج إلى السكر أيضًا، فالملعقة لا تكفي عائلة، ونحن من محبي الحلويات التي تمدّنا بالطاقة، والآن أصبحت أجسادنا ضعيفة هزيلة، تظهر علينا ملامح المجاعة والتعب، ونأمل أن تنتهي هذه الحرب التي أخذت منا كل ما نملك”.

ووفقًا لبيانات البنك الدولي، فإن أسعار المواد الغذائية في قطاع غزة قفزت بنسبة 437 في المئة، وانهارت القوة الشرائية لدى المواطنين في غزة بمعدل 89 بالمئة، ويعاني ما يزيد على 30 بالمئة من سوء التغذية.

مصدر رزق

في شارع النصر بمدينة غزة، يجلس الشاب محمد نبهان خلف بسطته التي تحتوي على السكر والزيت/السيرج والسمنة، وينادي على المارة بالقول: “تعالوا عندي، اشتروا قد ما بدك.. الأسعار نار.. تعال اشترِ على قد مصاريك”.

ويقول محمد، إنه قرر بيع المستلزمات الأساسية بالملعقة ليحصل الجميع عليها، وتبدأ عنده من خمسة شواكل وترتفع تناسبًا مع الحاجة إلى كل “ملعقة” إضافية.

ويشير إلى أنّ هذه الطريقة أيضًا مصدر رزق له ولعائلته على الرغم من أنها باهظة الثمن، ولكنه أخذ هذه الفكرة من الباعة في الأسواق، وقرر إخراج ما تم تخزينه وإخراجه للبيع.

ويتابع: “في البداية كنت خائفًا من ردة فعل الناس، إلا أنهم أقبلوا على البسطة لحاجتهم الماسة لها، والكثير لا يستطيعون العيش دون السكر والسيرج والمستلزمات الأخرى التي تستعمل بشكل يومي”.

37
اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المشاركات الأخيرة: