أسباب استحالة القضاء على حماس

مقال: أ. سليمان أبوستة

أعلن نتنياهو منذ حرب الإبادة العنصرية الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أنه لن يتوقف قبل القضاء تماما على حماس، وهو الهدف الذي مازال صداه يتردد في تصريحات بن غفير وسموتريتش اللذين يطالبان بمواصلة الحرب، ومنع ادخال المساعدات، وعدم الذهاب إلى صفقة حتى القضاء التام على الحركة، والسيطرة المطلقة على قطاع غزة، وهو ما يتناقض مع تصريحات المؤسسة العسكرية التي أعلنت أكثر من مرة على لسان رئيس الأركان إيال زامير أن العمليات العسكرية استنفدت أهدافها، وأنه لابد من حل سياسي يستكمل ما بدأته العمليات العسكرية.

فهل القضاء على حماس ممكن كما يريد نتنياهو؟

عند البحث في هذا السؤال من الناحية الإسرائيلية نجد أصواتا تعلن أن هذا الأمر غير ممكن بالتزامن مع الهدف الآخر للحرب، وهو إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة، وأنهما متناقضان، وهذا يشير إلى تصور أصحاب ذلك الرأي أن القضاء على حماس ممكن لو لم يكن هنالك أسرى في غزة.

لكن الوقائع تشير إلى أن الاحتلال لم يراعِ ذلك كثيرا، فلقد استعمل قوة نارية مهولة على مدار 22 شهرا من العدوان، دون أن يبالي بوجود أسرى أو عدم وجودهم، وهو ما أسفر فعليا في العديد من المرات عن قتل عدد منهم كما ظهر في بيانات المقاومة، وكما اعترف الاحتلال نفسه.

بينما يرى جنرالات ومحللون إسرائيليون بأن القضاء على حماس غير ممكن، وهو ما تثبته الوقائع حتى اللحظة، وأن استمرار الحرب الحالية سيحولها إلى حرب استنزاف طويلة، ستؤدي لتآكل قدرات الجيش وتراجع فعاليته، وقد اشتهر من أصحاب هذا الرأي الجنرال إسحاق بريك.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت قد عقدت قبل أيام مع معهد دراسات الأمن القومي مؤتمرا تحدثت فيه نخب إسرائيلية مهمة أيدت هذا الطرح كان منهم رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت الذي أضاف أن نزع إرادة القتال والقدرة عليه عند حماس سيستغرق وقتا طويلا جدا، وأنه مع إنجاز وقف لإطلاق النار في غزة على غرار ما جرى في لبنان، كما أعلن عضو الكنيست عن الليكود حانوخ ماليفنسكي أن حماس بعيدة جدا عن الهزيمة.

وإذا بحثنا في التصورات الإسرائيلية لمفهوم القضاء على حماس سنجد أنه يعني عدة خيارات تختلف من جهة لأخرى، ومنها:

  1. القضاء على قطاع غزة وتهجير أهله.
  2. القضاء على القوة العسكرية والسياسية لحماس بحيث يحكم قطاع غزة جهة معادية للحركة، أو تحويل القطاع إلى فوضى.
  3. نزع إرادة القتال لدى حماس وتحولها إلى قوة متصالحة مع كيان الاحتلال أو مهادنة له على الأقل.
  4. بقاء حماس سياسيا وعسكريا ولكن مع إضعافها إلى حد لا تستطيع فيه خوض أي عمل عسكري مؤثر، مع العمل المستمر على تدمير أي محاولة لتقويتها.

والحقيقة أن الاحتلال ورغم كثرة ما لديه من مراكز أبحاث لم يمتلك تصورا صحيحا لحركة حماس ولفكرها وطبيعتها، ومن أهم الأدلة على ذلك فشله في التنبؤ بما جرى في السابع من أكتوبر، ولا أقصد بذلك تفاصيل الحدث نفسه، وإنما تصوره أن حماس ليست لديها النية للمبادرة بعمل كبير ضده، وأنها مردوعة، فأي شخص مطلع بعمق على الأوضاع في قطاع غزة كان بإمكانه تحليل خطاب حماس وسلوكها واستخلاص أنها لن تقبل باستمرار الواقع في غزة كما هو.

ونتيجة عدم الفهم الإسرائيلي السابق، تم وضع القضاء على حماس كهدف للحرب، ولو كان الاحتلال مدركا لطبيعة الأمور، لاكتفى بحملة قصف جوي واسع لغزة لعدة أيام، ثم ذهب لاتفاق سياسي يخرج أسراه، ويضمن هدوءاً لسنوات، لكنه غرق في هذه الحرب الطويلة، نتيجة لعدم الفهم، ولمصالح نتنياهو السياسية الضيقة، التي أدت إلى خوض جيش الاحتلال لما وصفه رئيس أركانه إيال زامير بأعقد حرب عرفها جيشه.

وإلا فإن القضاء على حماس غير ممكن لعدة أسباب؛ منها:

  • أولا: حماس ليست مليشيا عسكرية، ليست مجرد مجموعة من المقاتلين الذين اجتمعوا حول هدف ما، فإذا ما فشلوا تفرقوا، أو إذا ما تم القضاء عليهم انتهوا، حماس عبارة عن تنظيم سياسي وطني واسع الأهداف والتخصصات، ويضم بين جنباته عشرات الآلاف من المؤمنين بفكره، منهم الساسة والمقاتلون، والدعاة والأطباء والمهندسون والطلاب، والرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، والنخب والعامة، والمفكرون ومتواضعو الثقافة. وهؤلاء يختلفون في كثير من التفاصيل لكنهم متفقون على مقاومة الاحتلال، ويربون أبناءهم على ذلك، ويخاطبون المجتمع بهذا المنطق، وبالتالي لا يمكن القضاء على فكرة يتسع أنصارها بهذا الشكل، ثم إنهم في إيمانهم بفكرة المقاومة يعدون انعكاسا لمجتمع كامل يؤمن غالبيته بالفكرة ذاتها، ويعيش مظلومية لا خلاف عليها فلسطينيا، بسبب عدوان الاحتلال وإجرامه على مدار عقود.
  • ثانيا: حماس ليست معزولة اجتماعيا، فمن سبق ذكرهم لا يمثلون طائفة محددة فقط، أو منطقة جغرافية ما فحسب، أو طبقة اجتماعية دون غيرها، حماس منخرطة في المجتمع بحيث لا يمكن أبداً انتزاعها منه، إلا بانتزاع المجتمع الفلسطيني نفسه، ليست موجودة في كل حي فقط، وليست في كل شارع، بل تكاد تكون موجودة في كل مبنى في قطاع غزة، لها أنصارها ومؤيدوها ومن يؤمن بها وبمسيرته، ولهذا يحتضنها الفلسطينيون في غزة، وهؤلاء المقاتلون الذين تظهر صورهم وهم يهاجمون الدبابات يشعرون بكل ذرة ألم ومعاناة يعيشها أهلهم الغزيون، ويتأثرون بها وينطلقون في عملهم من شعورهم بالواجب تجاههم.
  • ثالثا: حماس تنظيم عقائدي.. تثبت كل الأحداث أن حماس تنظيم لا يقبل الاستسلام، وأن شعارها نصر أو استشهاد ليس مجرد كلمة عابرة، هو سلوك متجذر ظهر في نهاية الشيخ أحمد ياسين الذي كان بإمكانه النجاة من الشهادة بوقف المقاومة، وظهر في سلوك الشيخ نزار ريان وهو يرفض الخروج من بيته ليستشهد مع أهله رغم أنهم يعرفون أن البيت سيقصف. وهو ما يظهر في سلوك آلاف القادة والجنود الذين يخوضون هذه المعركة، ويستشهد الواحد منهم ويعقبه آخر في موقعه دون تراجع، هذا يؤكد استحالة نجاح الاحتلال في كسر إرادة المقاومة لدى حماس، حتى أن مستشرقا إسرائيليا رأى أنه لو بقي شخص واحد منها بعد الحرب سيعيد بناء التنظيم مجددا ليعود للمقاومة مرة أخرى.
  • رابعا: حماس تنظيم مرن، لديه القدرة على التعلم من أخطائه، ومن سلوك عدوه، وهو مرن على صعيد البنية التنظيمية، فلدى مقاتليه القدرة على العمل في الميدان مهما فقدوا قادتهم، ولدى قيادته القدرة على تعويض القادة الشهداء بشكل سريع جدا. ولديه القدرة على التأقلم مع التغيرات المتعاقبة، وهذا سلوك قديم منذ بدأ الاحتلال بتوجيه الضربات للحركة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات حتى اللحظة، وهو قادر على تطوير أدواته، وفهم سلوك العدو، والتفاعل معه سريعا، وهو ما ظهر في طبيعة الضربات الموجهة للاحتلال، حيث نجد أن بداية الحرب كان العمل المقاوم يتم بطرق معينة، وفي الأسابيع الأخيرة بطرق مختلفة تماما.
  • خامسا: حماس لديها القدرة على ترميم قوتها، تميزت حماس بقدرة كبيرة على ترميم نفسها، فلو افترضنا جدلا أن الاحتلال نجح في القضاء على جزء كبير من قوتها، فإنها ستعود مباشرة لتجنيد مزيد من المقاومين في صفوفها، وظني أنها ستجد وفرة في ذلك، خاصة مع تصاعد الإجرام الصهيوني، كما أن كم الخبرات الواسع في حماس سيمكنها من إعادة تدريب عناصرها الجدد، وتعويض كل ما خسرته من طاقات بشرية. ومن المهم الانتباه إلى أن ما تملكه حماس من سلاح ليس شيئا نوعيا مستوردا من الخارج، وإنما تصنيعا محليا بسيطا، من السهل استعادته في ظل حجم المتفجرات الهائل الذي ألقي على غزة، ولم ينفجر جزء منه.
  • سادسا: عدم وجود بديل لحماس واستحالة التهجير، فلقد فشل الاحتلال في توفير بديل محلي عن حماس، ورفضت مختلف القوى المرشحة للتعامل مع الاحتلال، كما أن الفلتان الأمني أثناء الحرب أعاد تذكير المجتمع الفلسطيني بأهمية دور حماس في توفير الأمن الداخلي، حيث نجحت سابقا في القضاء على كل أشكال العربدة التي تقوم بها بعض المجموعات الإجرامية. كما أن مشروع التهجير الذي تحمس له الاحتلال وأيده ترامب لم ينجح، فلن تقبل في الغالب أي دولة في المنطقة بتحمل عبء الفلسطيني المقاوم والغاضب من أجل عيون إسرائيل، كما أن للأمر تبعاته السياسية والأمنية الكبيرة، ما يجعل حتى مؤسسة الاحتلال الأمنية حذرة من تداعيات الأمر، فلماذا يُنقل الفلسطيني من غزة الضيقة والمسيطر عليها، إلى سيناء ذات المساحة الواسعة والحدود المفتوحة، أما الدول الغربية فلن يكون من السهل عليها استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين.
  • سابعا: الاحتلال ليس مستعدا لدفع الثمن، ذلك أن بعض أشكال تحجيم قوة حماس تقتضي سيطرة ميدانية طويلة الأمد على قطاع غزة كحكم عسكري، مع تحمل كل تبعاته الأمنية والاقتصادية والسياسية، وهو ما يعني التحول لحرب استنزاف طويلة، وهو ما يجعل الكيان يسأل نفسه: لماذا انسحبنا إذن من غزة عبر اتفاق أوسلو جزئيا ثم كليا عام 2005، ففي أحسن الأحوال سنعود لسيناريوهات الاستنزاف التي كانت سائدة حينها، وغالبا ستكون الأمر أسوأ.

كل ما سبق يعني أن اليوم التالي في غزة لن يختلف كثيرا عن السادس من أكتوبر في جزئية من سيحكم غزة، أو جزئية الإيمان بالمقاومة، وإن كان سيختلف كثيرا في حجم المعاناة الهائلة للمواطنين التي قد تدفعهم للبحث عن تهدئة طويلة مع الاحتلال، وهو ما يعني اتفاقا سياسيا يغير الواقع السابق تماما، أو انفجار قريب لا خشية فيه من خسارة، فلقد خسر الفلسطيني كل شيء تقريبا في هذه الحرب.

12
اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المشاركات الأخيرة: