نتنياهو: بين مطرقة الضغوط الداخلية وسندان التحديات الخارجية

مقال: أ. أسامة حرارة

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منعطفًا حرجًا في مسيرته السياسية، حيث تتداخل الضغوط الداخلية المتزايدة مع المطالبات الدولية المتصاعدة بوقف الحرب والالتزام باتفاق الهدنة. ورغم محاولاته الدؤوبة لتوجيه الأنظار نحو “العدو الخارجي” كشماعة لأزماته، فإن التحليل العميق للوضع يكشف أن الأزمة الحقيقية تتجذر في صميم مؤسسة الحكم الإسرائيلية ذاتها، مع تأثرها الواضح بمواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين.

ائتلاف مهتز وثقة مفقودة: الأزمة الداخلية في إسرائيل

يشير المشهد غير المعتاد داخل الكنيست الإسرائيلي، حيث واجه نتنياهو موجة من الانتقادات الحادة والمقاطعات الصاخبة، إلى عمق الأزمة الداخلية. إن غضب أعضاء المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين من استمرار الحرب في غزة، والتي لم تحقق أهدافها المعلنة بعد شهور من التصعيد، يعكس شرخًا متزايدًا في الجبهة الداخلية. محاولات نتنياهو لاستعادة زمام المبادرة عبر التلويح بخيار استئناف القتال، مدعيًا أن “الفجوة لا تزال كبيرة” مع حركة حماس، وأن إسرائيل “لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها الأمنية”، تبدو وكأنها محاولة يائسة للهروب من واقع سياسي صعب.

يعكس الارتباك الذي يعيشه نتنياهو تراكم الأزمات، وعلى رأسها فشل حكومته في إدارة الحرب منذ اندلاعها في أكتوبر 2023. تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعًا حادًا في التأييد الشعبي لاستمرار القتال، حيث تتراوح نسبة المعارضين بين 60% و75%، ما يشير إلى اتساع الفجوة بين الحكومة والمجتمع. هذا التراجع ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر على فقدان الثقة المتزايد في قدرة نتنياهو على تحقيق الأمن أو إدارة الأزمة بكفاءة. يفسر هذا الخوف الشديد من نتنياهو من أي تحقيق رسمي في إخفاقات الحرب، إذ يدرك أن الإقرار بالفشل سيعني نهاية مسيرته السياسية.

تتفاقم هذه الضغوط من داخل الحكومة نفسها، ففي ظل حكومة أقلية تملك 50 مقعدًا فقط بعد انسحاب الأحزاب الحريدية، يجد نتنياهو نفسه في موقف صعب. تهديداته بضم أجزاء من قطاع غزة تدريجيًا، إذا لم توافق حركة حماس على اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام معدودة، تبدو كخطوة يائسة تهدف إلى حشد الدعم حوله أو إحراج حماس، في ظل خلافات متصاعدة داخل حكومته حول إدخال المساعدات إلى القطاع. أما من المعارضة وعائلات الأسرى، فالضغط مستمر، حيث يتهمون نتنياهو بإفشال إبرام صفقة تبادل للأسرى، والإصرار على مواصلة الحرب “لأغراض تتعلق بمصالحه ومستقبله السياسي”.

الموقف الأوروبي: مراجعة العلاقات تحت المجهر

على الصعيد الخارجي، ورغم الشراكة التاريخية بين أوروبا وإسرائيل، فقد أدت الحرب الأخيرة إلى تآكل في الدعم الأوروبي التقليدي. تزايدت الانتقادات في دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيرلندا، ووصل بعضها إلى المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية كرسالة ضغط سياسية على الحكومة الإسرائيلية. هذه التحولات تعكس تحولًا في الرأي العام الأوروبي وتزايد الوعي بالانتهاكات المستمرة.

لقد أطلقت دول أوروبية، بقيادة هولندا، مبادرة لمراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، على خلفية الانتهاكات المتكررة في غزة والضفة الغربية. ورغم الدعم النسبي لهذه المبادرة، إلا أن اندلاع الحرب مع إيران قد خفف من زخم هذه التحركات، مع تراجع فرص اتخاذ خطوات عقابية حقيقية، خاصة في ظل الثقل الذي يمثله الموقف الألماني داخل الاتحاد الأوروبي.

إن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول شرعية الضربات الإسرائيلية وحقها في الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى غياب موقف موحد، تضعف من تأثير أوروبا كوسيط فعال. دعوات أوروبية لتهدئة الأوضاع وتفادي كارثة نووية أو إنسانية تعبر عن قلق حقيقي، لكن غياب الإجماع يحد من قدرتها على ترجمة هذه الدعوات إلى أفعال.

ورغم الضغوط الأوروبية الرمزية لتعديل العلاقات، فإن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، والتعاون الأمني الوثيق، ما زال يحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات أكثر حسمًا. تظل قدرة أوروبا على التأثير في الصراع محدودة، وأي تحرك فعال يحتاج تنسيقًا مباشرًا مع واشنطن وتوافقًا داخليًا يعزز مصداقية الاتحاد الأوروبي كوسيط نزيه. حتى الضغوط الأمريكية، والتي يُقال إن نتنياهو قد رضخ لها، لم تكن كافية لإحداث تحول جذري في السياسة الإسرائيلية.

في الختام، يجد نتنياهو نفسه محاصرًا بين مطرقة الضغوط الداخلية التي تهدد بقاءه السياسي، وسندان التحديات الخارجية التي تسعى لدفعه نحو تغيير مساره. السؤال المطروح هو: هل ستكون هذه الضغوط كافية لإحداث تحول حقيقي في سياسته، أم أنه سيستمر في المماطلة والمناورة في محاولة للبقاء في السلطة؟

22
اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *