تحرير صحفي: لؤي حمدان
لا تتوقف أسباب الموت في غزة على القصف الإسرائيلي الوحشي المتواصل منذ ما يقرب من عامين، حيث يفاقم انتشار الأمراض المعدية من وطأة القتل في القطاع الفلسطيني المحاصر، وخاصةً ما رصده الأطباء خلال الأسابيع الأخيرة من تفشٍّ مقلقٍ لمرضٍ عصبيٍّ نادرٍ يُعرف بـ”متلازمة غيلان باريه” يصيب الأطفال خصوصاً، ويهدد حياتهم.
وتتفاوت حالات الأطفال المصابين بين من ظهرت عليهم أعراض أولية مثل ضعف في الأطراف وصعوبة في المشي، وبين من تدهورت حالتهم بسرعة حتى احتاجوا إلى أجهزة تنفسٍ صناعيٍّ داخل وحدات العناية المركزة، وفق وكالة الأناضول.
يأتي ذلك بينما يشهد قطاع غزة انتشار عدد من الأمراض المعدية والأوبئة التي تتفاقم وتيرتها يوماً بعد يوم، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وتردي الأوضاع البيئية والصحية وتكدس النازحين في ظل القصف الإسرائيلي.
ما هي متلازمة غيلان باريه؟
متلازمة غيلان باريه هي اضطراب مناعي ومرض نادر يصيب الأعصاب، ناجم عن مهاجمة الجهاز المناعي للأعصاب والجهاز العصبي المحيطي.
تظهر أعراض المتلازمة الأولية على شكل ضعف وخدر في الساقين والذراعين والجزء العلوي من الجسم بشكل أساسي، ويمكن لهذه الأعراض أن تنتشر بشكل سريع، وتؤدي في النهاية إلى إصابة الجسم الكامل بالشلل؛ ولذلك فإن هذا الاضطراب يعتبر في بعض الأحيان حالة طبية طارئة، تستلزم المكوث في المستشفى لتلقي العلاج.
تعد متلازمة غيلان باريه عند كبار السن أكثر شيوعاً من غيرهم، كما يعد الذكور أكثر عرضة بمتلازمة غيلان باريه مقارنة بالنساء.
ولا يوجد علاج مباشر لمتلازمة غيلان باريه، ولكن العديد من العلاجات يمكن أن تخفف الأعراض وتقلل من مدة المرض. وعلى الرغم من أن معظم الناس يتعافون تماماً من متلازمة غيلان باريه، إلا أن بعض الحالات الشديدة قد تكون قاتلة.
في حين أن التعافي قد يستغرق عدة سنوات، فإن معظم الناس قادرون على المشي مرة أخرى بعد ستة أشهر من ظهور الأعراض لأول مرة، فيما قد يعاني بعض الأشخاص من آثار دائمة مثل الضعف أو التنميل أو التعب.
ما هي أسباب الإصابة بها؟
السبب الدقيق لمتلازمة غيلان باريه غير معروف. ويظهر الاضطراب عادةً بعد أيام أو أسابيع من عدوى الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي.
ونادراً ما يمكن أن تؤدي الجراحة أو التطعيم مؤخراً إلى الإصابة بها. وتم الإبلاغ عن حالات بعد الإصابة بفيروس زيكا.
وعند الإصابة بالمتلازمة يبدأ جهازك المناعي الذي عادةً ما يهاجم الكائنات الغازية فقط في مهاجمة الأعصاب ما يسبب التلف ويمنع الأعصاب من إرسال إشارات إلى الدماغ، مما يسبب الضعف أو التنميل بالإضافة إلى الشلل.
ما هي أعراضها؟
تبدأ متلازمة غيان باريه بوخز وضعف يبدأ في قدميك وساقيك ويمتد إلى الجزء العلوي من الجسم والذراع، فيما يلاحظ بعض الناس الأعراض الأولى في الذراعين أو الوجه مع تقدم متلازمة غيلان باريه.
ووفقاً لموقع مايو كلينيك الطبي الأمريكي، يمكن أن يتحول ضعف العضلات إلى شلل. وقد تتضمن علامات متلازمة غيلان باريه وأعراضها ما يلي:
- ضعف الساقين الذي يمتد إلى الجزء العلوي من الجسم.
- عدم ثبات المشي أو عدم القدرة على المشي أو صعود السلالم.
- صعوبة في حركات الوجه، بما في ذلك التحدث أو المضغ أو البلع.
- ازدواج الرؤية أو عدم القدرة على تحريك العينين.
- صعوبة في التحكم في المثانة أو وظيفة الأمعاء.
- سرعة دقات القلب.
- ضغط دم منخفض أو مرتفع.
- صعوبة في التنفس.
كم عدد الإصابات المسجلة في غزة بمتلازمة غيلان باريه؟
نقلت وكالة الأناضول عن أطباء فلسطينيين أن متلازمة غيلان باريه بدأت تنتشر بشكلٍ غير مسبوق في غزة.
ونقلت الأناضول عن الدكتور أحمد الفرا قوله: “قبل الحرب كنا نسجل حالة أو حالتين سنوياً”، مشيراً إلى أن الأعداد ارتفعت مؤخراً، وجميع الحالات المسجلة لأطفال تجاوزت أعمارهم 15 عاماً.
فيما أعلنت وزارة الصحة بغزة، الثلاثاء 5 أغسطس/آب، تسجيل 95 إصابة بالمتلازمة، محذرةً من انتشارها السريع بفعل سوء التغذية وتلوث المياه الناجمين عن الحصار الإسرائيلي.
وتتزامن هذه الحالات مع التجويع الإسرائيلي الممنهج وسوء التغذية بين أطفال غزة، ما يضعف مناعتهم ويزيد احتمالات الإصابة بأمراضٍ نادرةٍ تحت وطأة الإبادة التي ترتكبها تل أبيب بحق الفلسطينيين.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، يعاني نحو 100 ألف طفلٍ وسيدةٍ من سوء التغذية الحاد، فيما يعيش ربع المواطنين في القطاع ظروفاً “أشبه بالمجاعة”.
وبشكلٍ متكرر، حذرت مؤسسات حقوقية فلسطينية وأممية من ارتفاع حالات الإصابة بسوء التغذية في القطاع مع مواصلة إسرائيل تشديد إغلاقها للمعابر منذ مارس/آذار الماضي، ما تسبب بتفشي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستوياتٍ “كارثية”.
ما هي أسباب تفشي متلازمة غيلان باريه في غزة؟
أرجع الطبيب الفرا سبب تفشي المرض إلى مجموعةٍ من الفيروسات الناتجة عن اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، “نتيجة تدمير البنية التحتية الصحية”، محذراً من أن “غزة مقبلة على كارثةٍ صحيةٍ كبرى، لا سيما في أوساط النازحين”.
وتقول سلطة المياه الفلسطينية إن 85% من منشآت المياه والصرف الصحي تعرضت لأضرارٍ جسيمة، فيما انخفضت كميات المياه المتاحة للمواطنين بنسبةٍ تصل إلى 80%.
وتراجع استهلاك الفرد من المياه في غزة إلى أقل من 5 لتراتٍ يومياً، مقارنةً بالحد الأدنى الطارئ الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، وهو 20 لتراً.
وتواجه الطواقم الطبية في القطاع صعوباتٍ شديدة في تشخيص وعلاج المرض، وسط نقصٍ حادٍ في الأدوية والأجهزة التشخيصية، وانهيار البنية التحتية الطبية بفعل الحرب الإسرائيلية منذ نحو عامين.
وقال الطبيب الفرا إن 3 أطفالٍ توفوا حتى الثلاثاء الماضي، بسبب مضاعفات متلازمة غيلان باريه، فيما لا تزال عشرات الحالات بحاجةٍ إلى دعمٍ تنفسيٍّ دائم.
انهيار صحي في شمال غزة
ومع غياب أجهزة التشخيص مثل الرنين المغناطيسي وتخطيط العضلات والأعصاب، يضطر الأطباء للاعتماد على التشخيص السريري المحدود، حسب الفرا.
وبقسم الأطفال في “مستشفى ناصر”، ترقد الطفلة مرام زعرب (11 عاماً) بعد أن فقدت القدرة على الحركة والنطق، جراء إصابتها بالمتلازمة.
وقالت والدتها: “مرام توقفت عن المشي فجأة، اكتشف الأطباء إصابتها بشللٍ متصاعد”.
وأضافت: “المرض ناجم عن ضعف المناعة، وتلوث المياه، فكل ما هو حولنا غير صحي، لا طعام ولا مياه”.
وتشتكي الأم (لم تُذكر اسمها) من عدم توفر علاجٍ للمرض، قائلةً: “مرام اليوم لا تستطيع القيام بأيٍّ من احتياجاتها، لا تتحرك، لا تمسك شيئاً بيديها، وفقدت حتى القدرة على الكلام”.
وأشارت إلى أن المرض أثَّر على أعصابها بالكامل، مضيفةً: “تعاني من صعوبةٍ في البلع، وصداعٍ مستمر، ولا نعرف كيف يمكن إنقاذها مع انعدام العلاج”.
ما هي أبرز الأمراض المعدية المنتشرة في قطاع غزة؟
- التهاب السحايا
- القمل
- الجرب
- الجدري المائي
- التهاب الكبد الوبائي (أ)
- الكوليرا
- أمراض الإسهال المُعدية
- شلل الأطفال
- الالتهابات الصدرية المعدية