قتل جيش الاحتلال سبعة فلسطينيين، بينهم مراسلان ومصوران في شبكة الجزيرة الإخبارية، في غارة على مستشفى الشفاء غربي مدينة غزة، قبيل منتصف ليلة الإثنين.
وأفادت مصادر محلية بأن قصفًا إسرائيليًّا استهدف منطقة بوابة مستشفى الشفاء، حيث توجد خيمة للصحفيين العاملين في قطاع غزة. وأكد مدير مستشفى الشفاء ومصادر صحفية أن القصف أسفر عن استشهاد محمد قريقع وأنس الشريف، مراسلي قناة الجزيرة، والمصورين المرافقين لهما إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل.
وقبل دقائق من استشهاده، كان قريقع قد ظهر في بث مباشر على قناة الجزيرة، تحدث فيه عن حرب التجويع المستمرة، وأشار إلى أصوات تحليق للطيران وانفجارات في غزة.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إن الاحتلال اغتال 5 صحفيين، وهم: أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة، ومحمد قريقع، مراسل قناة الجزيرة، ومحمد الخالدي، مصور ومراسل صحفي، وإبراهيم ظاهر، مصور صحفي، ومؤمن عليوة، مصور صحفي، ومحمد نوفل، مساعد مصور صحفي.
تنديد بالاغتيال
عبّر ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن تعازي المنظمة لأسرة الجزيرة.
وقال دوجاريك -في تصريحات صحفية- أن الأمم المتحددة نددت بجميع عمليات قتل الصحفيين، مضيفا أن العاملين في الإعلام يجب من أداء عملهم بحرية دون استهداف.
وعلقت إيرين خان المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي على عملية الاغتيال بأن الجيش الإسرائيلي يحاول قتل الحقيقة لكنه لا يستطيع ذلك.
وقالت المسؤولة الأممية للجزيرة إن الصحفيين الذين يكشفون فظائع إسرائيل في قطاع غزة يتم استهدافهم، ووصفت الراحل أنس الشريف بالصحفي الشجاع، وقالت إنه أبلغها أنه سيواصل كشف الحقيقة.
من جهتها، أعربت لجنة حماية الصحفيين عن صدمتها لاغتيال مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع ومصوريْهما على يد إسرائيل بغزة.
وقالت اللجنة إن طاقم الجزيرة قتلوا في هجوم على خيمة يستخدمها الصحفيون، مشيرة إلى أن إسرائيل قتلت 180 صحفيا فلسطينيا على الأقل منذ بدء الحرب على غزة.
بدوره عبر نادي الصحافة الأميركي عن الحزن والألم لاغتيال مراسلي الجزيرة في غزة، وقال رئيس النادي إن أنس الشريف واحد من بين أكثر من 200 صحفي تم الإبلاغ عن قتلهم منذ بدء الحرب، ووصف الشريف بأنه كان صحافيا مرموقا.
وفي مواقف الفصائل الفلسطينية،، قالت حركة حماس، في بيان صدر عقب عملية الاغتيال، إن “الاستهداف المتواصل للصحفيين في قطاع غزة، هو رسالة إرهاب إجرامي للعالم بأسره، ومؤشر على انهيار كامل لمنظومة القيم والقوانين الدولية، في ظل صمت دولي شجع الاحتلال على المضي في قتل الصحفيين دون رادع أو محاسبة”.
وأضافت حماس: صدرت تهديدات متواترة عن الناطقين العسكريين لجيش الاحتلال، ضد صحفيين فلسطينيين، ومنهم الشهيدان الشريف وقريقع، بهدف ثنيهم عن أداء واجبهم المهني في نقل الحقيقة وصور الإبادة الوحشية في القطاع، لتُترجم هذه التهديدات إلى عملية قتل بشعة تؤكّد السلوك الفاشي لهذا الكيان الإرهابي”.
وتابع بيان الحركة، أن اغتيال الصحفيين وترهيب من تبقّى منهم، يمهّد لجريمة كبرى يخطط الاحتلال لارتكابها في مدينة غزة، بعد إسكات صوتها الإعلامي، ليستفرد بأهلها وينفّذ مجازره بعيداً عن أعين العالم. مضيفًا: “هذه الجرائم الوحشية المستمرة بحق الصحفيين الفلسطينيين، وآخرها هذه الجريمة البشعة، تستدعي تفاعلًا واسعًا من الصحفيين والإعلاميين حول العالم، لفضح الاحتلال وجرائمه، وإعلاء صوت الحقيقة الذي يحاول طمسه، ومواصلة رسالتهم الإنسانية في نقل ما يجري في القطاع”.
وختم البيان بالقول: “ندعو المجتمع الدولي ومؤسساته، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، إلى إدانة هذه الجريمة بوضوح، والتحرك الفوري لوقف انتهاكات الاحتلال غير المسبوقة للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية، ومحاسبة قادته على جرائمهم ضد الإنسانية”.
من جانبها، قالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إن “استهداف جيش الاحتلال لخيمة الصحفيين على مدخل مشفى الشفاء في مدينة غزة، بشكل متعمد، مساء اليوم، هو جريمة حرب شنيعة يرتكبها الكيان الغاصب أمام مرأى العالم أجمع، ودليل إضافي على انعدام أدنى القيم الأخلاقية والإنسانية لدى جيش الاحتلال، الجيش الأكثر وحشية وإجراماً في العالم”.
وأضافت إننا “نحذر العالم بأن هذه الجريمة هي تأكيد على أن حكومة الاحتلال بدأت بتجهيز مسرح جرائمها القادمة، من خلال استهداف الصحفيين الذين يفضحون جرائمه ومجازره للعالم، عبر إسكات أصواتهم بالقتل المباشر والمتعمد. ونحمل الحكومات العربية والغربية كافة مسؤولية وضع حد لهذه الجرائم”. واعتبر البيان أن هذا الاستهداف يؤكد “رفض الاحتلال لكل جهود التوصل إلى وقف للحرب وصفقة تبادل للأسرى”.
بدورها، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: “جاء هذا الاستهداف الوحشي داخل مستشفى وفي وقت كان الصحفيون يمارسون عملهم النبيل، موثقين بالصوت والصورة مأساة شعبنا ومعاناة المدنيين، وهو دليل على أن الاحتلال يعتبر الحقيقة عدواً مباشراً له ويسعى بكل الوسائل لإسكات كل صوت حر ونزيه وشجاع”.
ورأت الجبهة أن “هذه الجريمة مؤشر خطير على نية الاحتلال ارتكاب أفظع الجرائم في غزة، وسعيه المحموم لطمس أي تغطية إعلامية تكشف جرائمه”.
وحول عملية الاغتيال، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: “تمت عملية الاغتيال مع سبق الإصرار والترصد بعد استهداف مقصود ومتعمد ومباشر لخيمة الصحفيين في محيط مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وقد أسفرت هذه الجريمة النكراء أيضاً عن إصابة عدد من الزملاء الصحفيين الآخرين”.
وأضاف بيان الإعلامي الحكومي: “باغتيال الاحتلال للزملاء الصحفيين الخمسة يرتفع عدد الشهداء الصحفيين الذين قلتهم الاحتلال في قطاع غزة خلال الإبادة الجماعية وحتى الآن إلى 237 صحفياً شهيدًا”.
وتابع: أن “استهداف طائرات الاحتلال الصحفيين والمؤسسات الإعلامية جريمة حرب مكتملة الأركان، تهدف لإسكات الحقيقة وطمس معالم جرائم الإبادة الجماعية، وهي تمهيد لخطة الاحتلال الإجرامية للتغطية على المذابح الوحشية الماضية والقادمة التي نفّذها وينوي تنفيذها في قطاع غزة”.
وحمل البيان الاحتلال والإدارة الأميركية، وكافة الدول المنخرطة في الإبادة الجماعية، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم الممنهجة بحق الصحفيين والإعلاميين في قطاع غزة. وطالب الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، وجميع الأجسام الصحفية والحقوقية الدولية في كل أنحاء العالم، بإدانة هذه الجرائم والتحرك العاجل لتأمين الحماية الكاملة للصحفيين الفلسطينيين والمؤسسات الإعلامية في غزة، وضمان محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد حرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات.
وقالت رئيسة الاتحاد الدولي للصحفيين للتلفزيون العربي: إن “استهداف إسرائيل للصحفيين في مدينة غزة اغتيال مباشر وفضيحة”، مضيفةً: “إسرائيل تقتل الصحفيين بذرائع واهية”، وأكدت على وجوب مقاضاة إسرائيل على اغتيالاتها المستمرة للصحفيين في قطاع غزة.
وانضم الصحفي محمد قريقع إلى طاقم قناة الجزيرة منذ آب/ أغسطس 2024، حيث ظهر للمرة الأولى على الشاشة بعد استشهاد مراسل القناة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي، خلال تغطيتهما الإعلامية في مخيم الشاطئ.
والتحق محمد قريقع بشقيقه الشهيد كريم قريقع، الذي قُتل في غارة على حي الشجاعية في مدينة غزة.
وكان الصحفي أنس الشريف قد تعرض لحملة تحريض وتشويه إسرائيلية، قادها الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة العربية أفخاي أدرعي، إذ زعم أن الشريف يفتقر إلى المهنية والإنسانية، ووصف ظهوره وتعبيره في التغطية بأنه “دراما مفبركة من إنتاج هوليوود – فرع غزة”.
وُلد أنس الشريف في عام 1996، ودرس تخصص الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة الأقصى، وبعد تخرجه بدأ العمل الإعلامي متطوعًا مع “شبكة الشمال الإعلامية”، قبل أن ينضم إلى شبكة الجزيرة.
ويعيش أنس الشريف في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وسبق أن أُصيب في أيلول/ سبتمبر 2018 أثناء تغطيته لمسيرات العودة عند السياج الفاصل، كما استُشهد والده في غارة إسرائيلية خلال حرب الإبادة.
ونددت المقرّرة الأممية لحرية التعبير، إيرين خان، بالتحريض الإسرائيلي بحق الصحفي أنس الشريف، وقالت إنه يُشكّل محاولة خطيرة تُعرض حياته وحياة صحفيين آخرين للخطر، مؤكدة أن إسرائيل تستخدم هذه الاتهامات كتبرير لأي استهداف ممكن لهم.
وأكد جيش الاحتلال أنه قتل أنس الشريف في مدينة غزة، زاعمًا أنه “مسلح” من حركة حماس كان يتخفى بصفة صحفي في شبكة الجزيرة.
وجاءت الغارة الإسرائيلية بعد ساعات من إعلان بنيامين نتنياهو قراره تنفيذ عملية عسكرية كبيرة على مدينة غزة ومخيمات وسط القطاع، في إطار خطة احتلال غزة ونزع سلاح حركة حماس، وإنشاء إدارة مدنية غير إسرائيلية لا تتبع لحماس أو السلطة الفلسطينية.
وزعم نتنياهو في كلمته أن إسرائيل لم تمنع الصحفيين من وسائل الإعلام الدولية من دخول قطاع غزة.
وتزامنت الغارة على مستشفى الشفاء مع غارات على منازل في حي الصبرة وشارع 8 جنوبي حي الزيتون، في مؤشر إلى بدء جيش الاحتلال عمليته المقررة.
ونشر حساب الصحفي الشهيد أنس الشريف على منصة “إكس”، نص وصية الشريف التي كتبها في نيسان/أبريل 2025، وظهرت على حسابه بعد اغتيال في قصف مباشر للاحتلال على مستشفى الشفاء في مدينة غزة. وتاليًا النص الكامل لوصية الشهيد أنس الشريف، كما وردت:
هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة.
إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.
بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل” لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.
أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام،
فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.
أُوصيكم بأهلي خيرًا،
أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.
وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة.
أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي.
أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.
وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.
أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل.
إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.
سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
لا تنسوا غزة…
ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.
أنس جمال الشريف
06.04.2025