تعرض عدد من رؤساء وأعضاء مجالس محلية وقادة ميدانيين في قرى وبلدات الضفة الغربية للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
وهذه الاعتقالات والملاحقة طالت رؤساء وأعضاء مجالس محلية في القرى والبلدات التي تشهد حالة تماس يومي مع المستوطنين. ويأتي ذلك بموازاة حملة تحريض يمارسها المستوطنون بحق عدد من رؤساء الهيئات المحلية، والدعوة لاعتقالهم واستهدافهم.
ويرى خبراء أن مثل هذه الحملات تهدف إلى إحباط حراكات هذه المجالس المحلية في التصدي لاعتداءات المستوطنين، وفي إطار خطط تهجير الفلسطينيين من مناطق “ج” نحو مراكز المدن، وهو ما يجري بتواطؤ بين المستوى السياسي والأمني والمستوطنين على حد سواء.
تفاصيل الاعتقالات والتحريض
وفجر الجمعة، اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي رئيس مجلس قروي حارس، عمر سمارة، ونائبه تيسير كليب. وقبل ذلك بيوم، قالت حركة “فتح” إن قوات الاحتلال اعتقلت كلًّا من: أمين سر حركة “فتح” في إقليم سلفيت، عبدالستار عواد؛ ومسؤول الشبيبة، معمر زيقان؛ ومدير مكتب إقليم حركة “فتح”، عادل الخفش؛ ومنسق الشبيبة في محافظة سلفيت، عصام حرب.
إلى جانب ذلك، شهدت مدينة الخليل — التي تشهد تماسًا مباشرًا ومفتوحًا مع المستوطنين — اعتقال تيسير أبو سنينة، رئيس بلديتها. جاء ذلك، بعد أيام من كشف وسائل إعلام إسرائيلية عن نقاش نتنياهو فكرة “إمارة الخليل”، التي انتهى النقاش حولها دون التوصل إلى قرار.
وخلال الفترة نفسها، وبالتزامن مع عدوان كبير شهدته القرية، اعتقلت قوات الاحتلال رئيس مجلس قروي المغير شرق رام الله، أمين أبو عليا، كشرط للانسحاب من القرية، فيما تم الإفراج عنه بعد أيام.
ويترافق ذلك مع احتجاز لعدة ساعات لعدد من رؤساء المجالس المحلية، خلال محاولتهم تنظيم أعمال أو ممارسة أنشطة في المناطق المهددة بالمصادرة، كما جرى مع رئيس مجلس قروي سكاكا في سلفيت.
وعبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يواصل عدد من المستوطنين المتطرفين، من بينهم إليشع يرد، التحريض على رئيس بلدية سنجل شمال رام الله، معتز طوافشة، واتهامه بقيادة عمليات استصلاح الأراضي والتصدي للمستوطنين.
وقبل يومين، تمكنت بلدية سنجل من شراء جرار زراعي لاستصلاح الأراضي المهددة بالمصادرة، وهو ما حرض عليه المستوطنون، الذين وصفوا رئيس بلديتها — الذي ظهر في مقطع فيديو على هذا الجرار — بأنه “رئيس مجلس بلدي القتلة”.
التحريض على بلدية سنجل ورئيسها
قراءة تحليلية: الدوافع والأبعاد
الباحث في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس، قال إن هذه الخطوات جديدة ولم تكن قائمة بالمستوى ذاته في السابق، ومن المعروف أن هذه الشخصيات عامة ولا يوجد لها نشاط عسكري أو أمني، وكان عدد المعتقلين من هذه الفئة أعدادًا لا تكاد تُذكر في السابق.
ويرى أبو العدس، أن اعتقال رؤساء المجالس المحلية وأعضائها في القرى ربما سببه مبادرات بدأت في القرى للتصدي للمستوطنين، حيث شهدت بلدة سنجل وبلدة بيتا وعدد آخر من القرى والبلدات تشكيل لجان محلية. وعندما تتشكل لجنة محلية ربما تكون بمبادرة من المجلس المحلي أو بقرار من رئيس المجلس المحلي لتشكيلها وتوفير الغطاء لها، وبالتالي ترى فيها سلطات الاحتلال نواة لمواجهة قادمة، وتريد إحباطها من البداية لإطلاق يد المستوطنين.
وأضاف أبو العدس: “ثانيًا، وحسب كلام سموتريتش، هناك تخطيط لضم أكبر قدر من الأرض بأقل عدد من السكان، حيث يخطط الاحتلال لتهجير السكان من المناطق (ج) نحو مراكز المدن، وبالتالي يجب تفريغ القرى من السكان والتضييق عليهم، وجزء من هذا التفريغ هو محاربة الهيئات المحلية التي تنظم شؤون السكان وحياتهم، وربما يكون هذا هو الدافع لاعتقالهم”.
أما بالنسبة لاعتقال رؤساء أقاليم محلية في حركة “فتح”، قال أبو العدس: “كما نلاحظ، فقد جرت الاعتقالات في المناطق التي تشهد مواجهات مستمرة مع المستوطنين، وربما يدل ذلك على أن هناك حراكًا داخل حركة فتح يختلف عن الاتجاه العام الذي تتبناه السلطة من حيث التهدئة وسحب الذرائع مهما كان الثمن. فربما يكون الأمر متعلقًا بتشكيل حراك شعبي ولجان حماية لمواجهة المستوطنين”.
وأضاف: “بالتالي يريد الاحتلال إفراغ هذا الحراك من محتواه واستباقه، لأن أي حراك بالنسبة لإسرائيل على الأرض لا يُنظر إليه باعتباره مجرد حراك، بل كنواة يمكن أن تتكاثف حولها جهود مواجهة الاستيطان، ومن ثم تشكيل حالة مواجهة للاستيطان”.
تبادل الأدوار بين المستوطنين والجيش
وردًا على سؤال حول تواطؤ الجيش وتنفيذه لهذه الاعتقالات لإطلاق يد المستوطنين، قال أبو العدس إن خطاب المستوى السياسي في إسرائيل يشير إلى أن المستوطن لم يعد منفصلًا عن المنظومة الأمنية، بل أصبح جزءًا منها، وأن الاستيطان بات جزءًا من المنظومة الأمنية.
وبالتالي الفكرة الآن، بحسب أبو العدس، هي أن يقوم الجيش والمستوطنون بأدوار متبادلة: يقوم المستوطنون بما لا يقوم به الجيش من تضييق على الناس وملاحقتهم وتدمير مصادر رزقهم ومواشيهم ومراعيهم، في حين يوفر الجيش الغطاء لهؤلاء المستوطنين في حال حدوث مواجهة مع الفلسطينيين.
موقف وزارة الحكم المحلي
اعتبرت وزارة الحكم المحلي أن اعتقال الاحتلال لرئيس مجلس قروي حارس ونائبه قبل يومين يمثل تصعيدًا خطيرًا تجاه رؤساء وأعضاء الهيئات المحلية والعاملين فيها في الآونة الأخيرة.
وأكدت الوزارة في بيان صحفي أنها شهدت في الآونة الأخيرة اعتقال البعض وتهديد البعض الآخر والتحريض عليهم من قبل المستوطنين.
وشددت الوزارة على أن هذا الأمر سعي قوات الاحتلال من خلاله إلى تقويض أدوارهم وثنيهم عن القيام بواجباتهم الوطنية تجاه أبناء شعبنا ومجتمعاتهم المحلية.
الصحفي: محمد غفري المصدر: وكالات