أكدت مراجعة أجرتها وكالة رويترز أن وتيرة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية تسارعت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مما جعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي تبدو بعيدة المنال بشكل متزايد.
وتشير المراجعة، التي تضمنت رسم خرائط لنمو المستوطنات على مدى عقود، إلى أن مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية خُصصت للمستوطنات، والقواعد العسكرية الإسرائيلية، ومناطق إطلاق النار، والمحميات الطبيعية، فضلًا عن المناطق التي تفرض فيها إسرائيل سيطرة مدنية وأمنية مشددة، بما فيها القدس الشرقية.
بحسب بيانات منظمة “السلام الآن”، فإن عدد الوحدات الاستيطانية المقدمة للبناء منذ عام 2023 تجاوز مجموع ما تم تقديمه خلال السنوات التسع السابقة
تسارع البناء في ظل الحكومة الحالية
أفادت رويترز أن الموافقات على بناء مستوطنات جديدة ارتفعت بشكل حاد في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم أحزابًا مؤيدة بقوة للاستيطان وتدفع نحو ضم الضفة الغربية رسميًا.
وبحسب بيانات منظمة “السلام الآن”، فإن عدد الوحدات الاستيطانية المقدمة للبناء منذ عام 2023 تجاوز مجموع ما تم تقديمه خلال السنوات التسع السابقة، ووصل في 2025 إلى ضعف مستواه في عام 2020، وهو أعلى رقم مسجل في الفترة ذاتها.
تداعيات على الحياة اليومية
يعيش نحو 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، ويواجهون قيودًا صارمة على الحركة والتنقل، أبرزها أكثر من 850 حاجزًا ونقطة تفتيش وثقتها الأمم المتحدة مطلع 2025، مقارنة بـ 565 قبل حرب غزة.
كما يعاني السكان من صعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية، والموارد، والمدارس والمستشفيات بسبب الطرق المخصّصة للمستوطنين والجدار الفاصل الذي شيدته إسرائيل مطلع الألفية الثانية.
تقول منظمات حقوقية مثل “بتسيلم” إن هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية تصاعدت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، سواء من حيث العدد أو الشدة، في وقت تواصل فيه السلطات الإسرائيلية عمليات هدم المنازل وفرض قيود جديدة على البناء الفلسطيني، خصوصًا في المنطقة (ج) التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة.
تصريحات نتنياهو والتحركات الدولية
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدد رفضه لقيام دولة فلسطينية، وقال خلال توقيعه على خطط توسع في مستوطنة معاليه أدوميم: “لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا… هذا المكان لنا”. ويشمل هذا المشروع منطقة E1 المثيرة للجدل، والتي سيؤدي تنفيذها إلى تقسيم الضفة الغربية إلى شطرين وعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني، فضلًا عن تهجير نحو 2500 من سكان التجمعات البدوية.
في المقابل، اعترفت دول غربية مثل أستراليا وبريطانيا وكندا والبرتغال بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول 2025، لتنضم إلى غالبية أعضاء الأمم المتحدة الذين اعترفوا بالفعل، في خطوة وصفتها وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين أغابيكيان شاهين بأنها “لا رجعة فيها” باتجاه الاستقلال والسيادة، رغم رفض الولايات المتحدة لهذا المسار وتحذيرات إسرائيل من أنه يشكل “تهديدًا أمنيًا”.
أبعاد قانونية وتاريخية
تؤكد محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة أن المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي الذي يحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها إلى الأراضي المحتلة. لكن إسرائيل تزعم أن هذه المستوطنات “ضرورية لأمنها الاستراتيجي”، وتعتبر أن وضعها النهائي يجب أن يُحسم عبر مفاوضات سلام متوقفة منذ عام 2014.
بدأت إسرائيل بناء المستوطنات بعد احتلال الضفة الغربية في حرب 1967، مستندة إلى روايات تاريخية وتوراتية وتقدّم حوافز اقتصادية لمواطنيها للانتقال إليها. اليوم يقطن الضفة الغربية أكثر من 500 ألف مستوطن، تحميهم قوات الجيش وتخدمهم شبكة طرق منفصلة إلى حد كبير عن تلك التي يستخدمها الفلسطينيون.
مستقبل غامض
يرى محللون أن التوسع الاستيطاني المتسارع يقوّض آمال حل الدولتين، الذي لا يزال يحظى بدعم غالبية المجتمع الدولي والفلسطينيين أنفسهم، لكنه يصطدم بواقع جغرافي وسياسي يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت.
وفي ظل غياب أي مؤشرات على وقف الاستيطان أو تفكيكه، تتصاعد الدعوات في أوساط الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية رسميًا.