قال دبلوماسيون ومسؤولون مطلعون على المحادثات بشأن قوة حفظ السلام في قطاع غزة، إن الدول التي يُفترض أن تشارك فيها مترددة في إرسال جنودها، خوفًا من وقوع اشتباكات مع مقاتلي كتائب القسام، وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء.
وبحسب الصحيفة، فقد أكد دبلوماسيون ومسؤولون من عدة دول أنه لم يتحقق تقدم يُذكر بشأن موعد تشكيل قوة حفظ السلام، بسبب الغموض المحيط بمهمتها. وأوضحوا أن دولهم لن تلتزم بإرسال قوات قبل اتضاح طبيعة المهام التي ستُطلب منها فور وصولها إلى غزة.
وأشارت المصادر إلى أن “القلق الرئيسي لتلك الدول هو أن يُتوقع من قواتها أن تقاتل مقاتلي حماس، الذين لا يزال بعضهم مسلحًا بشكل كبير، نيابةً عن إسرائيل”.
كما أبدت بعض الدول، في مناقشات خاصة، عدم رغبتها في تمركز قواتها داخل مراكز المدن في غزة، بسبب المخاطر التي تمثلها حركة حماس وشبكات أنفاقها، وفق أشخاص مطلعين على سير المحادثات.
وذكرت نيويورك تايمز أن إدارة جو بايدن كانت قد أجرت محاولات أولية لتشكيل قوة تضم عناصر من إندونيسيا والإمارات ومصر وإيطاليا، مبينةً أن المناقشات الجارية حاليًا، في عهد إدارة ترامب، تشمل إندونيسيا ومصر وتركيا وأذربيجان.
وأضافت الصحيفة أن الوسطاء في الهدنة الحالية متحمسون لإدخال قوة دولية إلى غزة بسرعة لتثبيت الاستقرار، قبل أن تعيد حماس تجميع قوتها في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، وتشكل نحو نصف قطاع غزة.
وجاء في بيان للحكومة التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان قال إن تركيا ستشارك في قوة مهام تشرف على وقف إطلاق النار، لكن لم يتضح ما إذا كان يشير إلى قوة الاستقرار نفسها. ومن المرجح أن يشكك بعض القادة الإسرائيليين في أي دور تركي قيادي داخل غزة، نظرًا إلى أن أردوغان أدان إسرائيل مرارًا خلال العامين الماضيين.
كما صرح الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، في كلمة أمام الأمم المتحدة الشهر الماضي، بأن بلاده مستعدة لنشر أكثر من 20 ألف جندي لـ”المساعدة في حفظ السلام في غزة” ومناطق صراع أخرى.
وقالت نيويورك تايمز إن الغموض حول الجهة التي ستتولى مسؤولية الأمن في غزة قد يترك أجزاء من القطاع دون وجود عسكري قادر على مواجهة حماس لأسابيع، وربما لأشهر.
ويؤكد دبلوماسيون أنه من دون قوة حفظ سلام، ودون حكومة تكنوقراط تدير غزة، فإن القطاع سيبقى تحت حكم حماس وحدها. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يواصل الجيش الإسرائيلي انسحابه قبل وجود قوة دولية جاهزة لتسلّم المسؤولية.
وعندما سُئل جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب وأحد مهندسي اتفاق وقف إطلاق النار، عن كيفية نزع سلاح حماس، قال في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على شبكة CBS الأسبوع الماضي: “لكي يحدث ذلك، علينا أولًا إنشاء قوة الاستقرار الدولية، ثم تقوم هذه القوة بإنشاء حكومة فلسطينية محلية”.
ويقول محللون إن الدول العربية لن ترسل قوات إلى غزة إذا خشيت أن تُجرّ إلى اشتباكات مع مقاتلي كتائب القسام الذين قد يقاومون وجودها، كما أنها لن تفعل ذلك إذا لم يكن تدخلها مرتبطًا بمسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما تعارضه الحكومة الإسرائيلية.
وقال غيث العمري، الخبير في الشؤون الفلسطينية والباحث البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “التورط عسكريًا في غزة مجازفة سياسية للدول العربية، فهي لا تريد أن تُرى كمن ينفذ العمل القذر لصالح إسرائيل، لذا فهي تحتاج إلى دعوة فلسطينية وتفويض من مجلس الأمن الدولي”.
وأضاف: “كما أنها لا تريد أن يُختزل دورها في مجرد تثبيت وقف إطلاق نار لا يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.
وتحدثت نيويورك تايمز عن مناقشات لإنشاء قوة شرطة فلسطينية منفصلة يمكن أن تعمل داخل مدن غزة. وقالت إن السلطة الفلسطينية تبدو المرشح الطبيعي لذلك الدور، لولا معارضة إسرائيل. إذ إن بنيامين نتنياهو، الذي سعى منذ زمن إلى منع توحيد الضفة الغربية وغزة تحت كيان فلسطيني واحد، رفض رفضًا قاطعًا أي دور فعلي للسلطة في غزة. وعندما عرضت حكومته شروطها لإنهاء الحرب في آب/أغسطس الماضي، تضمّن البيان بندًا صريحًا يؤكد أن السلطة الفلسطينية لن تحكم غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولي السلطة أنفسهم يقولون إن استعادة السيطرة على غزة ستتطلب تخطيطًا دقيقًا وتدريبًا إضافيًا لقوات الأمن التابعة لها.
وقال رئيس الوزراء محمد مصطفى للصحافيين، يوم الخميس الماضي، إن مصر والأردن تقدمان تدريبًا لبعض ضباط السلطة، وإنها ستبدأ العمل في غزة “بشكل تدريجي” بعد الحرب، لكنه لم يقدّم جدولًا زمنيًا محددًا لذلك.
يُذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كرر في الأيام الأخيرة تصريحاته بأنه في حال لم تسلّم حماس سلاحها، فإنه سيسمح لإسرائيل بـ”سحق” الحركة. وقال، يوم الثلاثاء: “حلفاء في المنطقة أبلغوني أنهم سيرحبون بدخول غزة بقوة عسكرية ضخمة لتأديب حماس إذا انتهكت اتفاقها معنا”.