تشكل ضريبة الأملاك أو “أرنونا” التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي عبئا على الفلسطينيين في كافة أحياء مدينة القدس المحتلة، وهي واحدة من سلسلة ضرائب تفرض عليهم دون مراعاة للفوارق الاقتصادية أو مستوى الخدمات التي يتلقونها مقابل ما يتم جبايته منهم.
وتتعمد بلدية الاحتلال رفع مستوى الجباية باستمرار، ووفقا لقانون ضريبة الأرنونا المعمول به في بلدية الاحتلال بالمدينة، تُقسم الجباية على العقارات السكنية إلى 4 تصنيفات، هي “أ” و”ب” و”ج” و”د”، وتعد المنطقة “أ” الأعلى تكلفة، بينما تُصنَّف المنطقة “د” الأقل.
وتوجهت البلدية مؤخرا لوزيري الداخلية والمالية الإسرائيلييْن بطلب لإجراء تعديلات على هذه الضريبة، وتنتظر البلدية الرد من وزارة الداخلية خلال الأيام المقبلة، وقد تُمنح البلدية الإذن برفع الضرائب العقارية في المدينة بنحو 40%.
واجبات بلا حقوق
وتسعى بلدية الاحتلال لإلغاء تصنيف مناطق “د” وفرض قيمة ضريبة مناطق “ج” عليها، وهذا يعني زيادة بنسبة 38.5% على أصحاب العقارات أو المستأجرين الذين يقطنون في شقق تقل مساحتها عن 120 مترا مربعا في مناطق “د”.
وسيضطر هؤلاء لدفع 64 شيكلا (نحو 20 دولارا أميركيا) مقابل كل متر مربع واحد من عقارهم، بدلا من 46 شيكلا (14 دولارا أميركيا) وفقا لتصنيف “د” الساري على مناطقهم منذ سنوات طويلة.
وسيدفع من يقطنون في شقق تزيد مساحتها على 120 مترا مربعا 91 شيكلا (28 دولارا) بدلا من 74 شيكلا (23 دولارا) عن كل متر مربع من منازلهم.
ويعني ذلك زيادة قدرها 29 مليون شيكل (نحو 9.5 ملايين دولار) في الإيرادات السنوية للبلدية، وسيتأثر بهذه الزيادة 21 ألفا و397 دافع ضرائب وفقا لموقع “ماي نت القدس” الإخباري الإسرائيلي.
ويشمل هذا التغيير 14 حيا أو أجزاء من أحياء في القدس من بينها البلدة القديمة، وكفر عقب، ومنطقتي باسم “عطروت” في قلنديا والرام، شمال المدينة، وعناتا (شمال شرق) وصور باهر، وجبل المكبر.
كما يشمل بيت صفافا وشرفات داخل المدينة، بالإضافة إلى مناطق من مدينة بيت لحم وبلدتي بيت جالا وبيت ساحور (جنوب) وبلدة أبو ديس (شرق) والتي تقع ضمن نفوذ بلدية الاحتلال.
مساواة مع الفارق
وتشير المعطيات الأخيرة وفقا لمؤسسة سانت إيف (المركز الكاثوليكي لحقوق الإنسان) إلى توجّه البلدية نحو رفع ضريبة الأرنونا تدريجيا، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى توحيد التعرفة وفق أعلى تصنيف، دون مراعاة للفوارق الاقتصادية أو مستوى الخدمات.
ولفت المركز الحقوقي إلى أنه في مطلع عام 2025، فرضت البلدية تصنيف المنطقة “أ” على جميع الشقق السكنية الجديدة التي جرى الانتهاء من بنائها أو تسجيلها لأول مرة في سجلات الأرنونا بعد تاريخ الأول من يناير/كانون الثاني من عام 2020 في جميع أحياء القدس، بما في ذلك الأحياء المهمّشة الواقعة خلف الجدار العازل.
وبهذا القرار، سُوّيت ضريبة الأرنونا في الأحياء المهمشة مع أحياء القدس الغربية الراقية كرحافيا، والطالبية، وعين كارم وغيرها، رغم الفارق الهائل في البنية التحتية ومستوى الخدمات وفقا لسانت إيف.
وقدمت هذه المؤسسة الحقوقية التماسا ما زال قيد النظر أمام المحكمة الإسرائيلية العليا لإلغاء، تصنيف الشقق الجديدة، وأكد محاميها هيثم الخطيب في مستهل حديثه أنه في حال تمت الموافقة على إلغاء تصنيف “د” فإن المؤسسة تعتزم التقدم بالتماس جديد ضد هذا القرار الجائر حسب وصفه لأنه يتجاهل كليا واقع الخدمات المعدومة، ويفرض أعباء ضريبية غير مبررة على سكان القدس الأكثر تضررا.
وأعرب الخطيب عن قلقه من شروع البلدية بحملة غير مسبوقة خلال الأشهر الأخيرة لتسجيل المباني في الأحياء التي عزلها الجدار خارج المدينة في سجلات الأرنونا، والتي امتدت مؤخرا لتشمل مخيم شعفاط، “في خطوة تنذر بوجود نية واضحة لتوسيع التسجيل ليشمل جميع الأحياء الواقعة خلف الجدار”.
تمييز عنصري
وحول مدى إمكانية نجاح المركز الحقوقي في إلغاء الإجراء الجديد في حال توجه إلى المحكمة العليا قال الخطيب “بغض النظر عن فرص النجاح، فإن واجبنا كمؤسسة حقوقية هو محاولة مساعدة الناس، ويجب ألا يشعروا أنهم يواجهون الطوفان وحدهم، وعلينا دعمهم والتصدي لهذه السياسات معهم”.
وأردف الخطيب قائلا إن المحاكم الإسرائيلية لا يُعوّل عليها اليوم، ولكننا نعتقد أن هذا الملف والالتماس الذي قدمناه قبل أشهر هي قضايا عادلة “لأنه من غير المنطقي أن يدفع الشخص الذي يسكن في حي كفر عقب ذات تعرفة الأرنونا التي يدفعها شخص يعيش في بيت صفافا مثلا”.
ويضيف “البلدية تقول إن التصنيف يشمل العقارات الواقعة في شقي المدينة الشرقي والغربي، لكن حسب جداولها فإن غالبية الأحياء المصنفة “د” يسكنها فلسطينيون لا يهود، وبالتالي سنبرز أمام المحكمة أن المقصود بذلك تمييز عنصري مغلف ومبطن بفكرة أن البلدية تريد إلغاء التصنيف الأخير للأرنونا”.
أما المحامي المقدسي مدحت ذيبة فأكد في حديثه أن الهدف من خطوة البلدية الجديدة هو إفراغ المدينة المقدسة عبر إرهاق أهلها بمزيد من التكاليف الباهظة، مضيفا أن “مالكي الشقق يعاملون كالمستأجرين في عقاراتهم، فهم يدفعون بدل إيجار للبلدية مقابل ضريبة الأرنونا”.
وقال ذيبة إن الكثير من المواطنين من مخيم شعفاط توجهوا له مؤخرا بشكل جماعي ولافت بعد إجبارهم على تسجيل عقاراتهم لتشملها ضريبة الأملاك، وذلك مقابل “صفر خدمات وتهميش كامل يعاني منه المقدسيون في هذه المناطق”.
يذكر أنه يُنظر في الداخل الإسرائيلي لقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بإزالة القيود المفروضة على ضرائب العقارات ومنح السلطات المحلية الحرية لرفع الضرائب البلدية، على أنها خطوة انتخابية، إذ يحتاج نتنياهو إلى دعم رؤساء البلديات قبل الانتخابات، لا سيما بعد انسحاب حزب شاس من حكومته.