كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطرح على دول أجنبية ومستثمرين دوليين خطة واسعة النطاق تحمل اسم “مشروع الشروق” (Project Sunrise)، تهدف إلى تحويل قطاع غزة، بعد الحرب، من منطقة مدمّرة إلى مدينة ساحلية فائقة التكنولوجيا، تضم منتجعات فاخرة، وبنية تحتية حديثة، وشبكات ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي.
وبحسب الصحيفة، أُعدّت الخطة في عرض تقديمي من 32 صفحة مصنّف على أنه “حسّاس لكنه غير سري”، وقاد إعدادها فريق يضم جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى جانب عدد من كبار مساعدي البيت الأبيض، من بينهم جوش غرونباوم.
وتعرض الخطة تصورًا شاملاً لـ”إعادة إعمار غزة”، يتضمن نقل السكان “من الخيام إلى الأبراج السكنية، ومن الفقر إلى الازدهار”، وفق ما جاء في العرض، مع صور لناطحات سحاب ساحلية، وجداول تفصيلية للتكاليف، ورسوم بيانية لمراحل التنفيذ.
ولا تحدد الخطة الدول أو الشركات التي ستتولى تمويل إعادة الإعمار، كما لا توضّح المكان الذي سيقيم فيه نحو مليوني فلسطيني مشرّد خلال فترة إعادة البناء. غير أن مسؤولين أميركيين قالوا إن واشنطن عرضت الخطة على دول مانحة محتملة، من بينها دول خليجية ثرية، وتركيا، ومصر.
وتقدّر الخطة الكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات، على أن تلعب الولايات المتحدة دور “الداعم المحوري” من خلال توفير ما يقارب 60 مليار دولار على شكل منح وضمانات ديون، فيما يُفترض أن تتمكن غزة لاحقًا من تمويل جزء من مشاريعها ذاتيًا مع تحسّن الاقتصاد المحلي.
ووفق التقرير، فإن القائمين على الخطة يتوقعون أن تنخفض التكاليف بعد العقد الأول، مع بدء استثمار نحو 70% من ساحل غزة ابتداءً من العام العاشر، وتحقيق عوائد استثمارية طويلة الأمد قد تتجاوز 55 مليار دولار، ضمن رؤية لتحويل القطاع إلى ما وصفته الخطة بـ”ريفييرا الشرق الأوسط”.
غير أن الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين اطّلعوا على الخطة تشكيكهم في واقعيتها، مشيرين إلى أن تنفيذها مشروط بـ”نزع سلاح حركة حماس وتفكيك جميع أنفاقها وأسلحتها”، وهو شرط ورد بشكل بارز في الصفحة الثانية من العرض التقديمي، مكتوبًا بخط عريض ولون أحمر.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، قوله إن الخطة تصطدم بواقع سياسي وأمني معقّد، مضيفًا: “لن يحدث شيء حتى تنزع حماس سلاحها، وحماس لن تنزع سلاحها، وبالتالي لن يحدث شيء”.
وأشار التقرير إلى أن التحديات على الأرض هائلة، إذ يُقدّر وجود نحو 10 آلاف جثة لا تزال تحت 68 مليون طن من الركام نتيجة الحرب، إضافة إلى انتشار الذخائر غير المنفجرة وتلوّث التربة، واستمرار وجود مقاتلي حماس في القطاع.
وتقترح الخطة خارطة طريق تمتد لأكثر من 20 عامًا، تبدأ بإزالة الأنقاض، وتطهير الذخائر غير المنفجرة، وتفكيك الأنفاق، مع توفير ملاجئ مؤقتة ومستشفيات ميدانية وعيادات متنقلة. وبعد ذلك، تبدأ مراحل بناء المساكن الدائمة، والمرافق الصحية والتعليمية، ودور العبادة، وشق الطرق، ومدّ شبكات الكهرباء، وزراعة الأراضي، قبل الانتقال لاحقًا إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى والعقارات الفاخرة.
ووفق العرض، سيتم تنفيذ المشروع على أربع مراحل، تبدأ من جنوب القطاع في رفح وخانيونس، ثم تمتد شمالًا إلى المخيمات الوسطى، وصولًا إلى مدينة غزة. وتتصور الخطة أن تتحول “رفح الجديدة” إلى مقر للحكم، يسكنها أكثر من 500 ألف نسمة، وتضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، ونحو 200 مدرسة، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجدًا ومركزًا ثقافيًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أكد أن الاستثمار في غزة لن يكون ممكنًا إذا ظل خطر اندلاع حرب جديدة قائمًا، معتبرًا أن ضمان الاستقرار الأمني شرط أساسي لجذب المانحين والمستثمرين.
كما لفت التقرير إلى أن كوشنر، الذي عمل سابقًا في مجال العقارات التجارية وأسّس بعد مغادرته البيت الأبيض شركة استثمار خاص جمعت مليارات الدولارات من صناديق سيادية في الشرق الأوسط، يلعب دورًا محوريًا في الترويج للمشروع، رغم الجدل الواسع حول تضارب المصالح وطبيعة الدور الأميركي في غزة.
وختمت “وول ستريت جورنال” بالإشارة إلى أن الخطة تعكس انخراطًا أميركيًا مباشرًا في إعادة تشكيل مستقبل غزة، وهو ما يصفه بعض الخبراء بأنه “بناء دولة” فعلي، حتى وإن رفضت إدارة ترامب هذا الوصف رسميًا.