مقال: أنس أبو عرقوب
تُعد لجان التحقيق الرسمية في “إسرائيل” أداة مؤسسية تهدف إلى التحقق من القضايا العامة المهمة التي تثير اهتمام الرأي العام. تأسست هذه اللجان بموجب قانون لجان التحقيق لعام 1968، ويتم تشكيلها إما بقرار حكومي أو بتوجيه من لجنة رقابة الدولة في الكنيست، مع تعيين أعضائها ورئيسها من قبل رئيس المحكمة العليا.
وتهدف هذه اللجان إلى التحقيق في قضايا ذات أهمية عامة أو إخفاقات حكومية، وتشمل مواضيع تتجاوز القضايا الجنائية لتشمل كل ما يثير القلق العام في “إسرائيل”.
أنواع اللجان وصلاحياتها
يمكن تشكيل لجنتين رئيسيتين بموجب القانون: لجنة تحقيق رسمية ولجنة فحص حكومية. تتمتع اللجان الرسمية بصلاحيات واسعة، مثل إجبار الشهود على الحضور وتقديم الوثائق، بما في ذلك الوثائق السرية. أما اللجان الحكومية، فتقتصر صلاحياتها على التحقيق في قضايا تخص المسؤولين الحكوميين، دون القدرة على إلزام الشهود أو الحصول على وثائق سرية. ورغم أن توصيات هذه اللجان غير ملزمة قانونيًا، فإن الحكومة غالبًا ما تلتزم بتنفيذها جزئيًا أو كليًا.
أبرز لجان التحقيق
منذ عام 1968، تم تشكيل 16 لجنة تحقيق رسمية في “إسرائيل”. وعلى الرغم من أنها كانت تتشكل بشكل أساسي بعد الإخفاقات الكبرى أو الحروب، إلا أن الحكومة أيضًا شكلت لجانًا في حالات متعددة بسبب الضغط الشعبي أو الحاجة إلى معالجة القضايا الكبرى التي أثارت غضب الرأي العام، ومن أبرزها:
- لجنة أغرنت (1973): تشكّلت بعد حرب أكتوبر للتحقيق في إخفاقات الجيش الإسرائيلي، وأدت إلى استقالات في القيادة العسكرية.
- لجنة كاهان (1982): حققت في دور “إسرائيل” في مجزرة صبرا وشاتيلا، وكان لها تأثير كبير على السياسة الإسرائيلية.
- لجنة فينوغراد (2006): رغم كونها لجنة فحص حكومية، أثار تقريرها جدلًا واسعًا بسبب انتقادات الأداء السياسي والعسكري خلال حرب لبنان الثانية ضد حزب الله.
وفي بعض الحالات، يتم تشكيل لجان التحقيق لتجنُّب الاتهام بـ “التستر” على الأخطاء أو لتفادي تأثيرات سلبية قد تكون لها تبعات سياسية كبيرة. وهذا قد يُفسّر من خلال تشكيل الحكومة لجانًا بعد ضغوط شعبية أو سياسية.
كما أن بعض اللجان يمكن أن تتشكل بناء على تقارير من مراقب الدولة، كما حدث في حالات مثل التحقيق في إدارة شبكة المياه في “إسرائيل”.
من المهم أن نلاحظ أن اللجان الرسمية تعمل وفقًا لإجراءات مرنة مقارنة بالمحاكم، ولا تُلزم بالأنظمة القانونية التقليدية التي تحكم الإثبات في المحاكم. ولذلك، لا يمكن استخدام الوثائق التي تجمعها اللجان كأدلة في المحاكمات الجنائية، وهو ما يجعلها تركز على معالجة القضايا العامة بدلًا من المسائل الجنائية.
الانتقادات والتحديات
تواجه لجان التحقيق الرسمية في “إسرائيل” انتقادات واسعة، حيث يتهمها البعض بأنها وسيلة حكومية لتنفيس الضغط الشعبي بدلًا من معالجة القضايا بجدية. كما أن التأجيلات المتكررة في تشكيل اللجان، مثلما حدث بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، تثير تساؤلات حول نوايا الحكومة ومدى جديتها في الوصول إلى نتائج ملموسة.
استطلاعات الرأي
أظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن 58% من المستطلعين يؤيدون تشكيل لجنة تحقيق رسمية تعيّن من قبل رئيس المحكمة العليا، بينما أيد 25% فقط تشكيل لجنة تعيّن من قبل الكنيست.
كما أظهرت النتائج تزايد الشكوك العامة تجاه الجيش الإسرائيلي، حيث عبّر 56% من الجمهور عن عدم ثقتهم في قدرة الجيش على استخلاص العبر من أحداث السابع من أكتوبر.
محاولات عرقلة اللجان
وكشف تحقيق بثه التلفزيون الإسرائيلي “كان” أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحاشيته سعوا لعرقلة تشكيل لجنة تحقيق رسمية بعد أحداث السابع من أكتوبر.
وأشارت المصادر إلى أن الهدف كان إبعاد المسؤولية عن نتنياهو من خلال تأخير تشكيل اللجنة، مما يعكس محاولات الحكومة لتحاشي المسؤولية السياسية عن الإخفاقات.
وتُعد لجان التحقيق الرسمية في إسرائيل أداة للتحقيق في القضايا العامة والإخفاقات الحكومية، لكنها تواجه انتقادات بأنها وسيلة لتنفيس الضغط الشعبي بدلًا من معالجة القضايا بجدية. ورغم تشكيل لجان بارزة مثل لجنة أغرنت وكاهان، إلا أن محاولات عرقلة تشكيل لجان جديدة، كما حدث بعد أحداث السابع من أكتوبر، تثير تساؤلات حول جدوى هذه الآلية.