بقلم: راسم عبيدات
من بعد معركة السابع من اكتوبر /2023،كانت امريكا واسرائيل تعملان على “شيطنة” ايران،واتهامها بانها رأس ما يعرف بمحور الشر في المنطقة،او كما يقولون رأس الإخطبوط،وهي من وجهة نظرهم من يشكل الخطر على نفوذهم ومصالحهم الإستراتيجية وأمنهم في المنطقة،ولذلك لا بد من “تقليم أظافر” ايران،ومنعها من ترسيخ نفسها كقوة اقليمية مسيطرة في المنطقة،أو أن تمتلك سلاح نووي،سواء يستخدم لأغراض عسكرية او مدنية،فهذا خط احمر امريكي- اسرائيلي- اوروربي غربي،ولذلك كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو المصاب ب”فوبيا” ايران” ،يعمل بشكل متواصل ويوظف كل وسائل اعلامه واجهزته الأمنية والإستخبارية،لكي يكيل الإتهامات ل إيران بأنها ” ام الشرور” في المنطقة،فهي تمول وتسلح غزة والضفة الغربية وحزب الله وقوى المقاومة العراقية وجماعة ” أنصار الله” في اليمن،وتشكل خطر وجودي على إسرائيل.
ايران اعتبرت الحلقة المركزية في المحور،والمطلوب اخضاعها بكل الطرق عسكرياً واقتصادياً ومالياً ،وحتى عبر اثارة القلاقل والفتن في الداخل الإيراني،وتحريض جماعات عرقية،على ان تقوم بإعمال تخريب واضطرابات تربك الداخل الإيراني.
امريكا واسرائيل، نجحتا في توجيه ضربات قوية لحزب الله اللبناني من 17- 27 ايلول /2024،عبر ما عرف بالحزمة الثلاثية القاتلة،تفجير اجهزة “البيجر ” و”الأيكوم”،واغتيال معظم القيادات العسكرية والأمنية للحزب،وصولاً إغتيال أمينيه العامين سماحة السيد نصر الله وصفي الدين،والقيام بعملية تدمير ممنهحة للبيئة الحاضنة للمقاومة خاصة والحاضنة الشعبية عامة،ومن بعد ذلك كان السقوط السريع والمدوي للنظام السوري السابق،في عملية تشبه الخيال العلمي،وهذا شكل نقلة نوعية في الإنجاز الأمريكي- الإسرائيلي،ووجه ضربة جيواستراتيجية للمحور وخاصة ايران،حيث ترتب على سقوط هذا النظام، انتقال سوريا من محور المقاومة الى المحور المعادي،حيث النظام الجديد عمل على اخراج ايران والحزب من سوريا،وقطع امدادات الحزب من السلاح الإيراني والسوري،عبر السيطرة على المعابر الحدودية السورية- اللبنانية،وترافق ذلك مع تطويق الحزب عبر منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت،حتى يتم ضمان عدم تهريب او وصول أموال ايرانية من اجل اعادة الإعمار،ورهن ذلك بنزع سلاح الحزب والتطبيع مع اسرائيل.
ترامب وجه تهديداته لإيران ،وفرض سلسلة عقوبات اضافية على قيادات ومؤسسات ايرانية،وواصل سياسة الضغوط القصوى،ودعا ايران للتفاوض تحت التهديد، بأنه سيجري استهدافها بعدوان واسع، اذا ما استمرت بتخصيب اليورانيوم على درجات اعلى ،ونقل رسالة الى ايران،وبالذات لمرشدها الأعلى الإمام علي خامينئي، واختار ارسال تلك الرسالة الى طهران عبر دولة الإمارات التي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع ايران،وفي تلك الرسالة كان هناك ثلاثة مطالب امريكية،اولها تفكيك البرنامج النووي وتسليم كمية اليورانيوم المخصب الزائدة،وتفكيك البرامج الصاروخية الإيرانية بالستية وفرط صوتية ومجنحة وغيرها،وقف تقديم الدعم العسكري والمالي،لأي من قوى وحركات المقاومة في المنطقة،وفي المقدمة منها جماعة ” انصار الله” اليمنية ،والحشد الشعبي في العراق وحزب الله اللبناني وقوى المقاومة الفلسطينية.
ولم تكتف امريكا بتلك التهديدات،بل عقد اجتماع مغلق في مجلس الأمن الدولي بمشاركة بريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا،والتي ادانت قيام ايران وسعيها لما تسميه الحصول على السلاح النووي،وخرق اتفاق وكالة الطاقة الذرية،والتي هي الأخرى شاركت في الحملة ضد ايران .
ايران ردت على ذلك عبر مرشدها الأعلى علي خامينئي،والذي لم يتسلم الرسالة،بل تسلمها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان،والرد الإيراني قال بكل وضوح،بأن ايران لن تتفاوض تحت التهديد،وايران يفضل شعبها الموت بعزة وكرامة،على العيش بالذل،وان جلست امريكا وتفاوضت بإحترام، فسنتفاوض بندية وبكرامة،ولن نخضع للتهديد والإبتزاز،ولا ثقة بالرئيس الأمريكي الحالي، فهو من تنصل من الإتفاق النووي مع ايران، الموقع عليه دولياً ،وهو من يمارس البلطجة في العلاقات الدولية،مهمشة دور المؤسسات الدولية وغير محترم لقراراتها،وأن من يعتدي على ايران،فإيران تعرف كيف تدافع عن أمنها القومي،واليد التي ستمتد الى ايران سيتم قطعها.
ويبدو بأن التهديدات الأمريكية وكذلك اللقاء الرباعي الأمريكي – البريطاني- الفرنسي- الألماني،دفع الى تحرك موازي،حيث عقد لقاء ثلاثي صيني- روسي- ايراني في بكين، للبحث في التهديدات الأمريكية والأوروبية الغربية ضد ايران،وخاصة بان روسيا والصين،تقع في دائرة الإستهداف والعقوبات لهذا الرباعي .
نعم امريكا ومعها اسرائيل ودول الغرب الإستعماري المتذيلة والتابعة لأمريكا،والتي لا تخرج عن طوعها ،تخطط لعدوان واسع على ايران،لأن المطلوب تغيير جري في المنطقة والإقليم،تغيير يحاصر التحالف الثلاثي الروسي- الصيني – الإيراني، ويمنع انبعاث العالم تعددي القطبية،والذي يعني الدخول الى مناطق النفوذ الأمريكي في المنطقة والإقليم،ولذلك لا تكف امريكا ولا اسرائيل ولا قوى الغرب الإستعماري عن ” شيطنة” ايران،وعن دورها في زعزعة امن واستقرار المنطقة وطرق الملاحة البحرية وخطوط الطاقة.
من بعد الغارات الواسعة التي شنتها الطائرات الأمريكية والبريطانية أمس السبت،واحدى المنصات الإعلامية الإسرائيلية ،قالت بأن مقاتلات اسرائيلية شاركت في العدوان،أكثر من ثلاثين غارة شملت العاصمة صنعاء ومدينة صعدة وذمار وغيرها من الأهداف المدنية،هذا العدوان الذي خلف اكثر من 50 شهيداً وجريحاً ،والذي قالت امريكا بانه سيستمر لعدة أيام وربما أسابيع،أتى في ظل قيام اليمن ،بإعادة فرض الحصار الإقتصادي البحري على اسرائيل،بمنع مرور السفن التي تحمل البضائع اليها عبر البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب وبحر العرب،ولذلك العدوان على اليمن،هو يجري من اجل خدمة اسرائيل ومصالحها،وردع اليمن ،من أن يصبح صاحب اليد الطولى في التحكم في الممرات المائية وخطوط الطاقة.
اليمن قال كلمته بشكل واضح ولا يقبل التأويل، بأنه لن يتراجع عن دوره واجبة في الوقوف الى جانب قطاع غزة،حتى يتوقف العدوان عليها،وحتى تفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية اليها أيضاً،وموقفه عقدي ودين واخلاقي ووطني وقومي.
طبعاً استهداف اليمن،الذي تحول الى جبهة اسناد أساسية لقطاع غزة،بعد وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية،وسقوط سوريا،وسكوت المقاومة العراقية لإعتبارات عدم القدرة على تحمل تبعيات استمرارها في دورها،نتيجة توازنات الداخل العراقي،جعل اليمن الجبهة الرئيسية في الإسناد لغزة.
نحن على قناعة تامة بأن الإستهداف الأمريكي- الإسرائيلي- الأوروبي،سيطال ايران حتى لا تترسخ ايران كقوة إقليمية كبرى،وتصبح مالكة لقوة الردع في المنطقة والإقليم،والتي بقيت لأكثر من خمسين عاماً بيد اسرائيل،وخاصة بعد ان ردت ايران على استهداف قنصليتها في دمشق واغتيال رئيس المكتب السياسي الأسبق ل حركة حماس الشيخ اسماعيل هنية في قلب عاصمتها طهران،بعمليات ” الوعد الصادق 1 و2″،بمئات المسيرات الإنقضاضية والصواريخ البالستية والفرط صوتية،والتي ثبت بأن اسرائيل،والتي كانت تتبجح بأنها قادرة على مهاجمة ايران لوحدها، بانها غير قادرة على الدفاع عن نفسها،واستنجدت بامريكا ودول الغرب والعديد من الدول العربية الوظيفية،من أجل حمايتها والدفاع عنها.
ولذلك اعتقد بأن هناك ضربة عسكرية استباقية امريكي- اوروبية غربية- اسرائيلية في طريقها لطهران،ولعل الغارات المكثفة التي تشن على اليمن،هي ” بروفا” لما هو قادم ضد طهران.