قرر قائد القوات الجوية ورئيس أركان جيش الاحتلال، صباح اليوم الخميس، طرد كلّ طيّار أو جندي- في الخدمة الفعلية- وقّع على رسالة احتجاجية حذّروا فيها من أن مواصلة الحرب على غزة “تُفشل أهدافها وتُهدد حياة الأسرى والجنود والمدنيين”، وفقًا للقناة 14 العبرية.
وفي تطوّر غير مسبوق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وقّع نحو 1000 طيّار وملّاح في سلاح الجوّ الإسرائيلي من أفراد الاحتياط، حوالي 200 منهم في الخدمة الفعلية، على رسالة جماعية، أعلنوا فيها رفضهم للاستمرار في تنفيذ المهام القتالية في الحرب الإسرائيلية التي شرع بها الجيش الإسرائيلي ضد غزة بعد السابع من أكتوبر، متّهمين القيادة السياسية والعسكرية بجرّ البلاد نحو الهاوية.
وأكد الموقعون، وغالبيتهم ممن يشاركون فعليًا في الخدمة الاحتياطية أو جرى استدعاؤهم مؤخرًا، أنهم “لم يعودوا قادرين على الاستمرار في الطيران في ظل الوضع القائم”، في إشارة إلى العمليات العسكرية الواسعة والمستمرة في قطاع غزة، والتي تترافق مع أزمة سياسية داخلية حادّة واتهامات دولية لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
وجاء في نص الرسالة: “نحن الطيارون والملاحون الذين خدموا في سلاح الجو لسنوات طويلة، نكتب هذه الرسالة بقلق عميق على مستقبل البلاد. في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية التي شرع بها الجيش الإسرائيلي ضد غزة بعد السابع من أكتوبر، ومع تصاعد الدمار والخسائر البشرية، لم نعد قادرين على الاستمرار في أداء مهام الطيران كما لو أن شيئًا لم يكن”.
وأضافوا: “لقد أدّينا دورنا لعقود في الدفاع عن الدولة، وشاركنا في مهمات معقدة تحت ضغط كبير، لكننا اليوم نواجه مفترق طرق أخلاقي لا يمكن تجاهله. لا يمكننا أن نغض الطرف عن الواقع السياسي والعسكري الذي يقود الدولة نحو كارثة استراتيجية وقيمية. لم نعد مستعدين أن نكون شركاء في هذا المسار”.
وتأتي هذه الرسالة استكمالًا لسلسلة من الخطوات الاحتجاجية التي قام بها طيارون في سلاح الجو منذ بداية الحرب، حيث نُشرت في الأسابيع الأخيرة عدة شهادات لعناصر في الخدمة الاحتياطية أعربوا عن خشيتهم من أن تتحول الحرب إلى “وصمة تاريخية” على حد تعبيرهم، وحذّروا من أن استمرار العمليات سيقوّض مكانة إسرائيل الدولية وقدرتها على الردع على المدى الطويل.
من جانبه صرّح، وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس: “أرفض بشدة رسالة جنود الاحتياط في سلاح الجو ومحاولة تقويض شرعية الحرب التي يقودها الجيش في غزة من أجل إعادة المحتجزين وهزيمة حماس”.
وأضاف كاتس: “أثق في حكم رئيس الأركان وقائد القوات الجوية، وأنا على يقين من أنهما سيتعاملان مع هذه الظاهرة غير المقبولة بالطريقة الملائمة.
وحاولت قيادات سلاح الجو منع توزيع ونشر الرسالة في الأيام الأخيرة؛ حيث قرّر قائد سلاح الجو الإسرائيلي، اللواء تومر بار، أن “أيّ عنصر من أفراد الاحتياط الفعليين يوقع على الرسالة لن يُسمح له بمواصلة خدمته في الجيش الإسرائيلي”. وقد حظي هذا القرار بتأييد رئيس الأركان إيال زامير، في خطوة تعكس محاولة للحدّ من تدهور الانضباط داخل وحدات سلاح الجو.
ورغم نبرة الحزم في القرار، قال الجيش الإسرائيلي إن “الغالبية العظمى من الموقعين على الرسالة ليسوا من عناصر الاحتياط الفعليين، بل خرجوا من المنظومة”، إلا أن البيان نفسه أشار إلى أن الجيش “لا يزال يتحقق من أسماء الموقعين لتحديد من لا يزال في الخدمة النشطة ومن خرج منها بالفعل”. وأثار هذا القرار تساؤلات حول مدى دقة إدارة بيانات قوات الاحتياط في إحدى أهم أذرع الجيش.
وفي توضيحه لموقفه، قالت قيادة الجيش إن “المؤسسة العسكرية تعمل في سياق عملياتي معقّد ومتعدد السيناريوهات، وتُتخذ القرارات فيه بناء على اعتبارات ميدانية فقط، دون السماح بتمرير مواقف سياسية داخل وحدات الجيش”.
وأضافت: “سياسة الجيش واضحة؛ لا يمكن أن يُسمح لجنود الاحتياط بالمشاركة في الحرب من جهة، ثم التظاهر ضدها من جهة أخرى. هذه مفارقة مرفوضة”.
وقال مصدر في قيادة سلاح الجو، دون ذكر اسمه، إن “من غير الممكن أن يتواجد عنصر في حفرة داخل قاعدة عسكرية، يوقع على رسالة تندد بالحرب، ثم يعود في اليوم التالي إلى ذات الحفرة لمواصلة مهمته القتالية. هذه سابقة تمس بقواعد الانضباط العسكري وتهدد وحدة الصف”.
وذكر الجيش أن “عددًا من عناصر الاحتياط الذين وقعوا على الرسالة قاموا مؤخرًا بسحب توقيعاتهم، لكن ذلك لا يلغي القاعدة الأساسية: من يختار استخدام زيّه العسكري ودوره في سلاح الجوّ للتعبير عن احتجاج سياسي، لن يتم التساهل معه.”
وأضاف البيان: “يمكن للمدنيين الاحتجاج كما يشاؤون، ولكن حين يتم ذلك من داخل المؤسسة العسكرية، ومع الاستفادة من رموزها، فإن الأمر يتحول إلى خطر على المنظومة برمتها”.
وأشار الجيش الإسرائيلي، في بيان لاحق، إلى أن الغالبية العظمى من الموقعين ليسوا من الجنود في الخدمة الاحتياطية النشطة، ومع ذلك، فإن قوات الجيش لا تزال تحقق في هوية هؤلاء الجنود، خاصة من لا يزال في الخدمة النشطة ومن تم إخراجه من النظام.
وقال الجيش إن “الجيش يعمل في حملة متعددة السيناريوهات، وأن القرارات تُتخذ بناء على اعتبارات عملياتية فقط.”
وأضاف في بيانه أن “الجيش يضع نفسه فوق كل الجدل، ولا يمكن قبول وضع يتواجد فيه جنود الاحتياط في مهام قتالية ويوقعون على رسائل ضد الحرب”.
كما جاء بيان الجيش أن “المشاركة في هذه الرسائل الاحتجاجية، بينما يتم ارتداء الزي العسكري واستخدام الطائرات الحربية، يمثل تهديدًا للأمن.” وأشار إلى أن “المدنيين لهم الحق في التعبير عن آرائهم بحرية، لكن حين يتعلق الأمر بالجيش، فإن الاحتجاجات تصبح غير مقبولة”.
ووفقا للإذاعة العبرية العامة، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يسعى للحدّ من تداعيات هذه الأزمة على صورة الجيش داخليًا وخارجيًا؛ إذ يبذل جهدًا كبيرًا للتحقق من هوية الموقعين ومعرفة مواقفهم تجاه الاستمرار في الخدمة أو سحب توقيعاتهم.
وكانت تقارير إسرائيلية أفادت أن سلاح الجو الإسرائيلي يشهد حالة من التوتر والاحتجاجات الداخلية على خلفية استمرار الحرب على غزة وقرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة؛ وفي مقدمتها إقالة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية “الشاباك” رونين بار، وهو القرار الذي أدى إلى تحرّك احتجاجي من قبل جنود وضباط احتياط في سلاح الجو.