شهدت العاصمة الفرنسية باريس، الجمعة، اعتداءات طالت فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث قامت مجموعة من المناصرين لإسرائيل بكتابة شعارات متطرفة ومؤيدة للاحتلال الإسرائيلي أمام مبنى المركز، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر “فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي وديناميات معاصرة”.
وشملت العبارات المدوّنة هجمات مباشرة على المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي، واتهامات بدعم حركة حماس، إضافة إلى شعارات تستهدف المركز العربي ودولة قطر. ويأتي هذا التعدي بعد حملة تحريض واسعة قادتها مجلات وصحف يمينية في فرنسا ومجموعات ضغط داعمة لتل أبيب.
وقد تقدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بشكوى رسمية لدى شرطة باريس على خلفية هذه الاعتداءات وفي ظل حملة التحريض الممنهجة التي يتعرض لها.
ورغم هذه الأحداث، تتواصل أعمال المؤتمر في مقره الحالي، بعدما انطلق يوم أمس بمحاضرة افتتاحية لكل من المفكر العربي عزمي بشارة والمؤرخ الفرنسي هنري لورنس.
“كوليج دو فرانس” إذ ينقلب على نفسه
وتزامنت التطورات، بعدما خضع معهد كوليج دو فرانس، أحد أهم المؤسسات البحثية في البلاد، لضغوط من جماعات يمينية مؤيدة لإسرائيل، ومن وزير التعليم العالي الفرنسي فيليب باتيست، ما أدى إلى إلغاء استضافته للمؤتمر ونقله إلى مكان آخر.
وجاء قرار الإلغاء عقب حملة إعلامية مكثفة قادتها مجلة “لو بوان” الفرنسية، التي نشرت مقالات اتهمت المؤتمر بأنه “مؤيد للفلسطينيين” و”معادٍ للصهيونية”، فيما انضمت إلى الحملة جماعة La Licra (الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية)، المعروفة بدفاعها عن إسرائيل في فرنسا، والتي شككت في الطابع الأكاديمي للفعالية.
وفي بيان صدر الأحد الماضي، برر مدير “كوليج دو فرانس” توماس رومر القرار بالقول إن المعهد يحرص على “حياده تجاه القضايا السياسية والأيديولوجية”، مشيرًا إلى أن الإلغاء جاء “حرصًا على أمن الموظفين والحضور ومنعًا للإخلال بالنظام العام”.
لكنّ وزير التعليم العالي فيليب باتيست أقرّ في منشور على منصة “إكس” بأنه أجرى اتصالات مباشرة مع إدارة المعهد، معبرًا عن ترحيبه بالقرار واصفًا إياه بأنه “قرار مسؤول يعكس قيم الجمهورية وحرية النقاش”، وفق تعبيره.
وفي حينها، صدر عن فرع المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية في باريس، وكرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي في الكوليج دو فرانس، بيانٌ مشترك ردًّا على قرار إدارة الكوليج دو فرانس إلغاء مؤتمر “فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي والديناميات المعاصرة”.
وأوضح البيان أن المؤتمر أُعدّ وفقًا لأعلى المعايير والإجراءات العلمية المتبعة، وشارك فيه باحثون وباحثات من جامعات مرموقة مثل المدرسة الفيدرالية البوليتكنيكية في لوزان، وجامعة أمستردام، والمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (INALCO)، وجامعة لندن (SOAS).
كما حرص المنظّمون على تعدد المحاور وتحقيق تنوّع علمي ومنهجي واسع، سواء من حيث التخصصات أو المدارس الفكرية. وأشار البيان إلى أن اتهام هؤلاء الباحثين بمعاداة السامية أو بالنشاط السياسي هو اتهام باطل، يهدف إلى نزع المصداقية عن أعمال علمية محكّمة ومنشورة في أهم المجلات الأكاديمية العالمية.
وحذّر البيان من أن رضوخ إدارة الكوليج دو فرانس لضغوط الوزير فيليب باتيست يهدّد استقلال مؤسسة عريقة تأسست قبل أكثر من أربعة قرون، واحتضنت أبرز رموز الفكر الفرنسي من فوكو إلى بورديو، مؤكدًا أن هذه الخطوة تخلق سابقة خطيرة؛ إذ سيكفي من الآن فصاعدًا مقال جدلي أو تغريدة وزارية واحدة لفرض رقابة على أي ندوة تُعتبر “حساسة”.
وقبيل انطلاق المؤتمر وبعد إلغاء عقده في “كوليج دو فرانس”، وجهت أربع جمعيات أكاديمية كبرى متخصصة في دراسات الشرق الأوسط، هي الجمعية الألمانية لدراسات الشرق الأوسط (DAVO)، والجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط (BRISMES)، والجمعية الإيطالية لدراسات الشرق الأوسط (SeSaMO)، وجمعية دراسات الشرق الأوسط الأمريكية (MESA)، رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير التربية والتعليم والشباب فيليب باتيست، ورئيس كوليج دو فرانس توماس رومر، أعربت فيها عن “قلقها العميق” من إلغاء مؤتمر بعنوان “فلسطين وأوروبا” كان من المقرر عقده في كوليج دو فرانس بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسات.