أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو أمام الحكومة عن قراره بتعيين سكرتيره العسكري السابق، رومان غوفمان، كرئيس قادم لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”. وقد أشاد نتنياهو في غوفمان قائلًا إنه “ضابط ذو مبادرة ويسعى للمشاركة الفاعلة، يتمتع بصفات قيادية مثبتة، ويمتلك إبداعًا ودهاءً ومهارات تخطيط على مستوى عالمي”.
وبحسب الباحث والصحفي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب، ارتبط اسم رومان غوفمان في السابق بفضيحة تجنيد الشاب الإسرائيلي أوري ألمكاييس وتشغيله لصالح الاستخبارات العسكرية، قبل أن يتم التخلي عنه لاحقًا. العملية التي كان غوفمان مكلفًا بها تضمنت استغلال ألمكاييس لتسريب معلومات حول منشآت عسكرية وضباط في إيران، بالإضافة إلى شخصيات قيادية في حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، ضمن استراتيجية استخبارية تعتمد على تضليل العدو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن جهاز المخابرات الإسرائيلي الشاباك اعتقل ألمكاييس وخضع لتحقيق قاسٍ استمر عام ونصف بتهمة تسريب معلومات حساسة، وهي التجربة التي تلخص خبرة غوفمان في مجال التجنيد والتشغيل الاستخباراتي.
وأشار أبو عرقوب إلى أن الأيام الأخيرة شهدت تسليط وسائل إعلام إسرائيلية الضوء على انتقادات من قبل ضباط كبار في الموساد والشاباك لنية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تعيين غوفمان رئيسًا للموساد. وانتقد هؤلاء المسؤولون عدم امتلاك غوفمان أي خبرة في إدارة عمليات استخباراتية واسعة أو في تجنيد وتشغيل الجواسيس، موضحين أن تجربته العملية الوحيدة في هذا المجال تتعلق بتجنيد الصبي الإسرائيلي ألمكاييس ثم التخلي عنه.
غوفمان، من مواليد 1976 في بيلاروسيا عندما كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، وهاجر مع أسرته إلى “إسرائيل” عام 1990 واستقر في مدينة أسدود. خلال دراسته في مدرسة “أورت” البحرية تعرض للتنمر والعنف من زملائه، ما دفعه لممارسة الملاكمة، حتى حصل على المركز الثاني على مستوى “إسرائيل”.
التحق غوفمان بالجيش الإسرائيلي عام 1995 في سلاح المدرعات، وخدم في كتيبات مختلفة ضمن الفرقة 188، حيث أنهى تدريبه كمقاتل وأكمل دورة قيادة دبابات ودورة ضباط. وشارك في عمليات قتالية جنوب لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية وعملية “السور الواقي”. تقلّد مناصب متعددة تضمنت نائب قائد سرية، قائد سرية، ونائب قائد كتيبة.
في الفترة بين 2010 و2011، ترأس فرع المدرعات في وحدة التدريب، ثم شغل منصب قائد كتيبة 75 بين 2011 و2013، وضابط العمليات في فرقة أخرى من 2013 إلى 2015. في 2015، رُقي إلى رتبة عقيد وقاد لواء عتسيون، بالتزامن مع الهبة حينها. وتولى قيادة لواء 7 في 2017، وقاد فرقة بشان منذ 2020، مع إشراف على عمليات سرية ضد التمركز الإيراني في الجولان السوري المحتل.
وخلال عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر أصيب بجروح بالغة في ركبتيه خلال كمين نصبته مفرزة من قوات النخبة التابعة لحركة حماس في منطقة شاعر هنيغيف في غلاف غزة. بعد تعافيه، شغل منصب نائب منسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة، ثم رئيس فرع في قسم التخطيط بالجيش. وفي 16 أيار/مايو 2024، رُقي إلى رتبة لواء وتولى منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، حيث أشرف على العلاقات مع روسيا، وإدارة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، إذ كان صاحب فكرة “مؤسسة غزة الإنسانية”، وعمل تقديم الاستشارات الأمنية والقانونية للحكومة.
وقال الصحفي الإسرائيلي أمير بار دافيد، إن “الموساد منظمة معقدة وحساسة ومتطورة وسريّة. عند التدقيق في السيرة الأمنية لرومان غوفمان، يصعب العثور على ما يؤهله لتعيينه رئيسًا للموساد”.
وأضاف: “السبب الوحيد الذي يتبادر إلى الذهن لماذا قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعيين جوفمان رئيسًا للموساد هو الإجابة المعتادة والمعيارية في إسرائيل في عهد نتنياهو: الولاء”. مضيفًأ “غوفمان، الذي رُقّي إلى رتبة لواء في أيار/مايو من العام الماضي وعُيّن سكرتيرًا عسكريًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أظهر هذا الولاء المطلق عندما كتب، فور توليه منصبه، رأيًا أمنيًا ينص على أن نتنياهو لن يتمكن من الإدلاء بشهادته باستمرار في محاكمته الجنائية. رفض رئيس الشاباك آنذاك، رونين بار، التوقيع على هذا الرأي الفاضح”.
وتابع التحليل، لقد “استبدل نتنياهو رونين بار بديفيد زيني رئيسًا لجهاز الأمن العام (الشاباك). واستبدل وزير الأمن يوآف غالانت في يسرائيل كاتس. واستبدل رئيس الأركان هرتسي هاليفي بإيال زامير (الذي يُظهر، على الأقل في الوقت الحالي، تصميمًا في مواجهة الضغوط السياسية التي تُمارس عليه من الأعلى). ويستبدل نتنياهو الآن ديفيد برنياع، الذي من المقرر أن يُنهي منصبه كرئيس للموساد العام المقبل، بغوفمان قليل الخبرة ولكنه مخلص”.
وحول هذا الأمر، قال: “بذلك يستكمل نتنياهو عملية استبدال جميع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية بأشخاص من المفترض أن ينفذوا أوامره، ويظهروا الولاء المطلق للحاكم، ويحموه من المسؤولية عن أكبر كارثة حدثت في عهده. وكما في برامج الواقع، نتنياهو هو الناجي الأخير. مواطنو إسرائيل، سيظلوا مطالبين بدفع الثمن”.
وقال تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن تعيين غوفمان رئيسًا للموساد “قوبل بخيبة أمل داخل جهاز الاستخبارات، ولكنه لم يكن مفاجئًا. بعد تعيين ديفيد زيني رئيسًا للشاباك، توقع الكثيرون في الموساد أن يكرر نتنياهو النهج نفسه، بتعيين عناصر من خارج النظام، نظرًا لنظره إليهم على أنهم متشددون ومرتبطون باليمين الأيديولوجي. من وجهة نظر نتنياهو، يُعد هذا أيضًا جزءًا من الصراع ضد النخب و’الدولة العميقة’، التي يزعم نتنياهو أنها تضطهدها”.
ووفق مصادر الصحيفة الإسرائيلية، تُصرّ مصادر مطلعة على أن زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، سارة نتنياهو، أجرت مقابلةً مع غوفمان قبل قرار التعيين، لكنّ مقرّبين من العائلة ينفون ذلك.
وقال مسؤول أمني كبير سابق مطلع على غوفمان: “إنه مخلص جدًا لبيبي. رومان مقبول ويُنظر إليه على أنه يميني، كما أنه درس في مدرسة دينية يومًا واحدًا في الأسبوع. سينكرون ذلك، ولكن قبل أن يتخذ نتنياهو القرار، أجرت سارة مقابلة معه. برأيي، تعيين هذا الشخص وهم كبير”.
وتقول مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن غوفمان إنه “شخص متسرع، لا يُفكّر مليًا قبل الإقدام على أي فعل”. وقال مسؤول استخباراتي كبير سابق: “غوفمان ضابطٌ يفكر خارج الصندوق.. لكنه غيرُ مُؤهلٍ لهذا المنصب إطلاقًا. فهو لا يتحدث سوى الروسية والعبرية، ولا ينطق بكلمةٍ واحدةٍ باللغة الإنجليزية، وسيضطر إلى التنقل برفقة مترجم. منصب رئيس الموساد مُناسبٌ لشخصٍ يعمل طوال اليوم في جميع أنحاء العالم. ليس لديه خبرةٌ في مجالي الاستخبارات والعمليات، ولم يكن رقيب عمليات، ولا يمتلك أي خبرةٍ تُؤهله لهذا المنصب. لم يُدِر منظمةً بهذا الحجم”.